حلب ترسم الشرق الأوسط والعالم الجديد
د.نسيب حطيط
تتجه الأنظار نحو حلب ومعاركها التي تختصر كل المعارك في الجغرافيا السورية والتي ستحدد مسار الأزمة السورية والحل السياسي وتحدد المحور الرابح او الخاسر وتغني عن كل الجبهات المستقلة في المدن والأرياف السورية ، فمعارك حلب وفق مصطلحات كرة القدم هي المباراة النهائية والتي ستتوج الرابج في الماراتون الدموي في سوريا الذي تجاوز الخمس سنوات.
في معارك حلب يتشكل كلا الفريقين من لاعبين دوليين وإقليميين فريق بإسم الدولة السورية وآخر خارجي باسم قوى المعارضة المسلحة التكفيرية الدولية التي فضحت المؤامرة الأميركية – الدولية على سوريا والتي صرح عنها النظام والدولة السورية بأن الأحداث ليست صناعة او أهداف سورية بحتة وإنما صناعة دولية وإقليمية ولأهداف سياسية تتصل بالمشروع الأميركي المسمى بالشرق الأوسط الجديد أو الكبير والذي استغل ثغرات سورية داخلية نفذ منها إلى قلب الميدان السوري لتدفع سوريا الأثمان الكبرى بسببه وكذلك محور المقاومة ويستمران بالصمود لإنقاذ سوريا وإنقاذ المنطقة والأمة من المصير الأسود الذي تحاول أميركا استدراجهم إليه ولذا فإن معارك حلب ليست بين سوريا الدولة وجيشها ضد معارضة داخلية سورية بل هي بين محور المقاومة والمحور الأميركي الخليجي على ساحة حلب بما يشبه معركتي "ستالينغراد" و "النورماندي" في الحرب العالمية الثانية والتي كان لهما الأثر الأساسي في حسم نائج الحرب مضافا إليهما الجريمة الأميركية بالقنبلة النووية ضد اليابان في هيروشيما وناكازاكي.
يمكن القول ان "الإنزال" الأميركي وحلفاؤه عبر جماعات المعارضة التكفيرية من النصرة وجيش الفتح وبقية الأسماء على أسوار حلب يشابه الإنزال الأميركي في النورماندي وعلى محور المقاومة ان يقاتل كما قاتل الروس في معركة ستالينغراد التي بلغت خسائرها البشرية ما يقارب المليوني قتيل او كما قاتلت المقاومة في تموز 2006 في جنوب لبنان فمعارك حلب هي معارك لخدمة السياسة والمفاوضات والحلول وكل متر على الجبهة سيكتب كلمة في محضر المفاوضات ويمكن ان تطول معارك حلب لإستنزاف الطرفين او لتمكن أحد الطرفين من الإنتصار ومعارك حلب مطلب ضروري ووجودي لكلا الطرفين وخاصة للمشروع الأميركي الذي تم عرقلته طوال خمس سنوات وانتهى بتصدع وخلخلة أدواته والتناحر فيما بينهم وصولاً للتآمر على بعضهم في إنقلاب تركيا إلى إنكفاء قطر والخلاف السعودي والإماراتي بالتزامن مع تقدم محور المقاومة في اليمن وسوريا والعراق.
معارك حلب ستحدد وجهة الحل السياسي والرابح بالنقاط او بالضربة القاضية وسيتخللها كر وفر إنسحاب وتقدم وفي كل الحالات خسائر بشرية فادحة وعنف ناري يصل لحدود الجنون الإستثنائي بسبب ضيق الوقت الأميركي ولإنشغال اللإدارة الأميركية والفترة الإنتقالية بعد الإنتخابات وإعادة التموضع الجديد او الخطة الجديدة.
مسؤولية معارك حلب ليست مسؤولية سورية فقط بل مسؤولية محور المقاومة بدون استثناء فإن ربحت سوريا معركة حلب ربح محور المقاومة وإن خسرتها خسر محول المقاومة وكذلك الأمر بالنسبة للمحور الأميركي.
معارك حلب أقسى المعارك السياسية في القرن الواحد والعشرين وحرب عالمية مصغرة ومحدودة في الجغرافيا مع ان نيرانها بدأت بالتمدد إلى الجوار وحتى أوروبا، فإن طالت معارك حلب او الموصل فإن نار التكفيريين ستشتعل اكثر في خارج الإقليم وتصيب الداعمين للإرهاب والتكفير بالرعب والخسائر كما هو ما حال أوروبا الآن ولكن على صعيد أكر ومساحة أوسع.
حلب مفتاح مستقبل المنطقة العربية والشرق الأوسط وبوصلة الإتجاه للمشهد السياسي الدولي ودور روسيا وأميركا والصين وأوروبا... انها مصنع صناعة الأقطاب العالميين الجدد والقوى الكبرى وكذلك شطب دول و إتحادات وتجمعات دولية إنها قرار تفتيت الدول أو بقائها موحدة ...سوريا تصنع العالم الجديد بأحداثها ونتائجها بعدما انفضحت أحداث سوريا ولم تعد مشكلة داخلية بل مشكلة خارجية سيتحملها الداخل السوري ودول الجوار.