إن دعوة الحكومة العراقية لمؤتمر دولي في بغداد لمناقشة الوضع العراقي هو بمثابة إستغاثة أميركية,لإنقاذ نفسها بعد مضي أسبوعين على تنفيذ الخطة الأمنية لبغداد والتي لم تثمر أي نجاح ميداني بل أوقعت الأميركييين في دائرة النار,بعد سقوط أكثر من سبع مروحيات في شهر واحد بما يوازي ضعف خسائرها طوال ثلاث سنوات،وبعد تردد الرئيس بوش بقبول إقتراحات لجنة بيكر-هاملتون,التي أوصت بوجوب الحوار مع سوريا وإيران بشأن العراق،فقد تراجعت أميركا ,عبر تشكيل مظلة دولية تحجب الحوار المباشر مع بين محورين وفق التعريف الأميركي المحور الأميركي,والمحور السوري-الإيراني.وأن الإيعاز الأميركي للحكومة العراقية للدعوة لهذا المؤتمر يؤشر بأن أميركا التي تعلن أن مشروعها نشر الديمقراطية هو كلام معسول،لأن مشروعها الأساس هو الحفاظ على مصالحها وإنقاذ نفسها،ولذا بدأت بمؤتمر دولي لحل مشكلة الأمن العراقي بعدما تحول مشكلة أميركية بإمتياز.وعندما تعلن أميركا أنها لن تتخلى عن لبنان في العراق ولا تساوم عليه فهذا يعني أن حوار المحاور سيمتد إلى ساحات أخرى كفلسطين ولبنان,وأن إنقاذ الأميركيين في العراق لا بد أن يرافقه تخفيفاٌ للضغط على الجبهات الأخرى اللبنانية,والسورية,والإيرانية,كما يؤشر أن لبنان هو ساحة ضغط لتحقيق مصالح أميركية وليس من أجل إستقلاله,كما يدعي الأميركيون وحلفاؤهم. ويأتي الحوار المباشر..بعدما فشلت تجربة الحوار بالنار في العدوان الإسرائيلي على لبنان وفي تجربة الحرب الأهلية الفلسطينية،وبعد فشل تجربة الحوار بالضغط عبر مجلس الأمن وبشكل خاص المحكمة الدولية ..السياسية وليس الجنائية, وبما أن الأمور بدأت تتفلت من يد الإدارة الأميركية داخلياٌ عبر تقييد حرية الرئيس بعد فوز الديمقراطيين في الإنتخابات،وخارجياٌ بعد أن دخل الروس مؤخراٌ على خط الإعتراض على آحادية القرار العالمي،وبعد دخول المقاومة الشيعية في العراق ساحة المعركة بشكل واسع مع بداية عاشوراء للعام 2007وبعد إعطاء الفرصة الأخيرة لبوش في إطار تجربة القوة النارية للإمساك بزمام المبادرة في العراق،وجد الأميركييون أنفسهم أمام خيار وحيد هو الحوار المباشر مع سوريا وإيران.وتوطئة لهذا الحوار فقد أبدى الأميركيون عدم إعتراضهم على الإنفتاح السعودي على إيران عبر الأمير بندر بن سلطان الموثوق أميركياٌ،وبدأت بوادر الإنفتاح على سوريا عربياٌ من خلال زيارة الرئيس العراقي جلال الطالباني إلى سوريا وإيران,و إتصال الرئيس المصري بالرئيس الأسد بعد قطيعة إستمرت منذ حرب تموز وخطاب الأسد الشهير،وتوالت عملية توسعة الكوة في جدار الحصار على سوريا وكان أخرها قرار زيارة مساعدة وزيرة الخارجية الأميركية إلى سوريا لبحث شؤون اللاجئين العراقين مع التشديد أنها لن تبحث أي أمر سياسي آخر وهذا يؤكد أنها ستبحث أموراٌ سياسية،أو على الأقل سيبحث السوريون معها قضايا سياسية لأن مشكلة اللاجئين هي أمنية وسياسية وإقتصادية .وهنا لا بد من التساؤل كيف سينعكس مؤتمر بغداد على الوضع اللبناني,,؟ في حال قبلت أميركا الحوار مع سوريا وإيران في العراق ونجحت في إستثمار هذا التعاون لإنقاذ جيشها ولن يكون ذلك بدون مقابل فستكون الملفات الأخرى على طاولة البحث, ودور المشاركين من دوليين أو عرب أن يكونوا شهوداٌ ,و لضمان عدم معارضتهم,أو إتهام أميركا بأنها خدعتهم عندما حشدتهم جميعاٌ بمواجهة سوريا وإيران والآن تحاور أعدائها(الشريرين) كما تصفهم ,.
وما المانع أن تقبل أميركا بمؤتمر دولي حول لبنان تدعو إليه الجامعة العربية بمشاركة سوريا وإيران والسعودية والأوروبيين,وتكون أميركا فيه بالأصالة عن نفسها وبالوكالة عن إسرائيل، لترتيب الوضع اللبناني،خاصة وأن أميركا على أعتاب خسارة حليفيها, الرئيس شيراك سيغادر الرئاسة الفرنسية في أيار المقبل بعد شهرين,وبلير رئيس الوزراء البريطاني سيغادر هذا العام أيضاٌ .وبالتالي فإن كاسحة الألغام الأوروبية ستغادر أرض المعركة في منطقة الشرق الأوسط وستجد أميركا نفسها عرضة لانفجار الألغام مباشرة،وهي ليست قادرة على تحمل المزيد.لذا فإن(حوار المحاور المتناقضة)في مؤتمر بغداد ينعقد تحت سيف الوقت الذي بدأ ينفذ أمام الأميركيين، وتحت سيف المقاومة التي بدأت تنمو وتتوسع في العراق وبعد إخفاقات الحرب الأميركية على محور الشر،والخوف أن يكون دور لبنان في هذا الوقت ساحة ضغط أميركية قبل إنعقاد المؤتمر او بعده من خلال التسخين الأمني على ساحته للتأثير على التحالف السوري-الإيراني من خلال ضرب حلفائه في لبنان بعمليات أمنية, بدأ التحضير لها عبر المتفجرات(الإعلامية)المكتشفة وفي حال فشل المؤتمر فإن الأميركي سيضرب عنيفا في لبنان وفلسطين ويرد السوري-الإيراني في العراق.فهل يستيقظ اللبنانيون الذين يرمون أنفسهم في أحضان المشروع ,و أنهم مؤيدون للحفاظ عليهم من أجل المقايضة أو الضغط،وتاريخ أميركا مليء بالمساومات والمقايضات والبيع لحلفائها,و مساومة أميركا في لبنان لم ينسها اللبنانيون ماضياٌ,وهذا ما يحذره فريق الموالاة من واشنطن ويطالبها بعدم التخلي أو المساومة عليه،وأطمأنت الموالاة لوعد رايس لكن المشكلة أن هذه السيدة لم تصدق في أي وعد قطعته على نفسها سواء في العراق أو فلسطين أو في ولادة الشرق الأوسط الجديد أو القضاء على الإرهاب،والظاهر أنها لن تصدق وعدها بعدم المقايضة على رؤوس حلفائها في لبنان إذا اقتضت المصلحة الأميركية ذلك.وواجب اللبنانيين جميعاٌ حفظ بعضهم البعض حتى لو أخطأ بعضهم بالإرتماء أو الأحتماء في الحضن الأميركي.فالأخوة والمواطنية تفرض على الرساليين الحقيقيين,أن ينقذوا هؤلاء من براثن الأعداء ويتجاوزوا الطعنات, لأن في ذلك سلامة الوطن والشعب وهذا هو الربح الحقيقي على الأعداء الذين يريدون تقسيم الوطن وتفتيت الشعب.