خسائر تركيا بين الغرور والتبعية لأميركا
د.نسيب حطيط
سقط الأتراك في فخ الوهم والغرور ،باستعادة امجاد العثمانيين ، وتصرفوا كممثلين على مسرح سياسي لا يعتليه أحد من الخصوم ، وبدأوا باعطاء الأوامر وتحديد المهل الزمنية لسوريا ، تنفيذا لأوامر أميركية وفي سباق مع الوقت قبل أن يستفيق العرب مجددا لقيادة أنفسهم ، وظن الثنائي (أردوغان – غول ) امكانية قيادة المنطقة اعتمادا على قوة تركيا الذاتية مدعومة من حلف الناتو واسرائيل ليعلنا أنهما سيعملان على استراتجية (صفر مشاكل) مع الجيران ، وعلى قوة الاقتصاد التركي وعزل الجيش والأهم والأخطر قيامهما بتقديم نموذج اسلامي حزبي يقوم على رفع الشعارات متلازما مع فعل النقيض في الممارسة ، فهو مع الاسلام لكنه لا يستطيع والغاء القانون الذي يمنع الحجاب للمرأة ،وهو (الاسلام التركي الرسمي ) مع غزة لكنه حليف استراتيجي للاحتلال الاسرائيلي ،وهو مع صفر مشاكل لكنه في حلف الناتو والقواعد العسكرية الأميركية ونشر الدرع الصاروخية التي تهدد الأمن الاقليمي وتتجسس على ايران وسوريا وروسيا وكل بلد يعادي أميركا واسرائيل ، اسلام يحمل العنوان والاسم لكنه مفرع داخليا من قيمه ومنظوماته العقائدية والسلوكية والسياسية، ليتكامل مع الاسلام المتطرف والتكفيري الفارغ من جوهر الاسلام ليصبح الاسلام بين فكي كماشة محاصرا ومذبوحا ومنتهكا من اتباع اسلام متشدد ( القاعدة واخواتها ) واسلام متهتك ( حزب العدالة والتنمية واخواته من الأحزاب الاسلامية الجديدة بعيد الثورات العربية ).
لكن تركيا الان تعيش ارهاصات مرحلة جديدة يشوبها القلق واللاستقرار والعداء مع الجيران مما سينعكس على كل اطروحات الثنائي (اردوغان-غول) ويقلب المعادلات وفق الأمور التالية
الشأن السوري :
بعدما بالغت تركيا في هجومها على سوريا منذ بدء الأحداث وشكلت رأس الحربة في المشروع الخارجي لاسقاط النظام ،واحتضنت المجموعات المسلحة ،وسحمت لها بالانطلاق من أراضيها لمهاجمة الجيش والقوى الأمنية السورية مخالفة قواعد تعاون الجيران والاتفاقيات الثنائية والدولية واخترعت مخيمات الللاجئين وحرضت الفتنة المذهبية في سوريا والمنطقة ثم فرضت العقوبات الاقتصادية قبل الدول العربية مما جعلها تحصد العلقم الأمني والإقتصادي.
_ خسارة اقتصادية تقدر باكثرسبعة مليارات دولار خسارتها للسوق السورية وحركة الترانزيت الى الدول العربية، بينما لم تخسر سوريا أكثر من نصف مليار دولار وسينشط الاقتصاد السوري الذي كان تحت المنافسة التركية .
_ اذا اشتعلت الفتنة المذهبية في سوريا (سني –شيعي ) والقومية (عربي – كردي ) فان الساحة التركية ستكون أول ساحة تتقبل هذه الفتنة وتداعياتها حيث أن التنوع المذهبي والقومي للشعب التركي يتكون من حوالي 15 مليون علوي و 18 مليون كردي أي حوالي 33 مليون تركي من أصل 70 مليون تركي نصف سكان تركيا أي أن الحرب ستدخل كل بيت ومنطقة تركية والتي أصلا تعيش تاريخا من الصراع المسلح مع حزب العمال الكردستاني .
_ان التدخل التركي في العراق ، بعد الغزو الأميركي والذي ظهر في المؤامرة الأميركية لأغتيال رئيس الوزراء نوري المالكي واتهام تركيا بتدريب المجموعات المسلحة والتنسيق مع طارق الهاشمي سيؤدي الى أزمة وصراع مع العراق الجديد ،والذي يمتلك القوة لازعاج تركيا (فالأكراد متواجدون في العراق ) ويمكن تحريكهم باتجاه تركيا تماما كما يستطيع السوريون ،وذلك ردا على مساعدة الجيش السوري الحر والمسلحين السوريين ،وستخسر تركيا السوق العراقية أيضا واعادة الإعمار لاحتياجه لكل شيء بعد تدمير العراق مما سيصيب الاقتصاد التركي بضربة ثانية وستصبح الحدود التركية – العراقية متوترة تماما كما الحدود السورية – التركية .
- في الشأن الايراني:
- يجهد الأتراك والايرانيون لابقاء العلاقات الاقتصادية والأمنية والسياسية هادئة بين البلدين لاعتبارات ذاتية تخدم مصالح البلدين والمنطقة لكن بعد نشر الدرع الصاروخية الأميركية ونقل قيادة العمليات البرية لحلف الناتو الى تركيا ،توترت العلاقات وانتقلت الى دائرة الحذر مصحوبة بالتهديد الايراني بقصف قواعد الدرع الصاروخية أي بقصف الأراضي التركية ناهيك عن الموقف الروسي في هذا الاتجاه.
وخلاصة هذه المواقف التركية الانفعالية انها ستؤدي الى اعتماد استراتيجية خلق المشاكل وتضخيمها، مما سيغرق تركيا في مرحلة جديدة تترافق مع صعوبات داخلية سياسية وأمنية أبرزها مرض رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان والذي يعاني من مرض خطير سيمنعه من ممارسة مهامه خلال الأشهر القادمة ،وسيؤجج الخلافات داخل حزب العدالة والتنمية لتأمين البديل ،وسيشجع الجيش التركي وجنرالاته لاعادة التموضع في المشهد السياسي التركي ،ويحفز المعارضة العلمانية لتحرك أكثر وكذلك الحراك الكردي المسلح والشعبي والنيابي ،وستنتقل تركيا من موقع التفاخر بهدوء ساحتها وثبات نظامها السياسي ، والتدخل في شؤون الاخرين الى مرحلة التوتر الداخلي ، والتوتر مع دول الجوار ،وسيدمر حزب العدالة والتنمية بقيادة الثنائي (أردوغان- غول) كل ما بنياه في العشر سنوات الأخيرة عندما استلم السلطة ،وومحاولة تثبيت دوره كمرشد روحي لحركة الاخوان المسلمين في العالم العربي وأحزابها الوليدة بعد الثورات العربية، والتي أسست لتقديم التنازلات العقائدية والسياسية والسير بالمشروع الأميركي (اتفاقيات كامب دايفيد والصلح مع اسرائيل والاتفاقيات الأمنية- التشريعات والأحوال الشخصية كما في تونس وليبيا ..... ) وابقاء حركة الاخوان المسلمين بعيدا عن لوثة التنازلات والتنصل منها اذا واجهها الجمهور العام المتدين بطبعه وسلوكياته ،وقطف ثمارها اذا نجحت لأن الإخوان المسلمين هم الوالد الشرعي لهذه الأحزاب .
لقد راهن الأتراك على اسقاط النظام في سوريا قبل الانسحاب الأميركي من العراق وظنوا بأنهم سيحصدون الجائزة الكبرى ،لكنهم صدموا أن اميركا رحلت ،والنظام السوري لازال صامدا ،والتدخل الخارجي تم الغاؤه وبقيت تركيا وحيدة تصرخ منادية لاسقاط النظام ،وتدعو الناتو ،و لم يجبها أحد ،وخسرت كل ما ربحته من سوريا والمنطقة وستعود تركيا الى موقعها الطبيعي المتحالف مع اسرائيل والمطرودة من الاتحاد الاوروبي ، والخادمة لحلف الناتو الذي يعاملها كعضو من الدرجة الثانية .
من يخادع الله ورسوله باسلام حديث مصنع أميركيا واوروبيا ، وفي تحالف مع المحتلين للمسجد الأقصى ، ومن يخون أمته سيخسر الدنيا والآخرة والثنائي (أردوغان – غول ) مصيره الفشل والخسارة والشعب التركي المسلم الذي لم يهزمه أتاتورك بعلمانيته لن يهزمه اردوغان وغول، وسيبقى الأتراك المسلمون احرارا لايخدمون اميركا واسرائيل لأميركا .