دور الأكـراد فـي الصـراع التركـي السـوري
د.نسيب حطيط
يعيش الأكراد حالة اللاإستقرار التاريخي نتيجة أحلام بناء الدولة المستقلة (كردستان الكبرى)،والواقع السياسي الإقليمي والدولي،حيث إستخدمت الدول الإستعمارية الأكراد (كرة نارية) تضرب بها أعدائها الإقليميين،وكذلك دول الأقليم تعاملت مع الأكراد وفق نظرية تبادل المصالح ،فإنها تدعمهم ضد الدول التي يقيمون فيها في ذروة الصراع الثنائي أو تتخلى عنهم في المصالحات،ويستفيد الأكراد من الدعم المتبادل وساحات المناورة واللجوء إلى الدول الأخرى عند حصارهم من نظام معين وهذا حال الأكراد منذ الدولة العثمانية حتى الحربين العالمية الأولى والثانية والأنظمة التي قامت بعدها.
وتميز الصراع الكردي-التركي والصراع الكردي-العراقي بالعنف والدموية حيث رفع الطرفان سقف أعمال العنف إلى ذروته ،ووصل صدام حسين لإستعمال الأسلحة الكيماوية في شمال العراق في مدينة (حلبجة) وكذلك الأتراك حيث شن الجيش التركي الحملات المتتالية بما فيها الطيران ، بينما تميزت علاقة النظام السوري مع الأكراد بالصراع البارد أو المتوسط ولم يصل إلى مستوى الصراع العسكري كما في تركيا والعراق، ومع بدء الأحداث في سوريا تنافس النظام في سوريا والأتراك مع حلفائهم الغربيين لكسب ود الأكراد السوريين ،لتجنيدهم و حشدهم في الصراع ،وبقي الأكراد السوريون خارج دائرة الصراع أو المظاهرات أو العمل المسلح، بل تجاوزوا ذلك إلى محاولة إقامة حوار مع النظام بعدما منحهم الجنسية السورية كأحد المطالب الرئيسية التي كانوا يرفعونها ولم يمتثلوا للدعوات التركية والغربية للإنضمام إلى معارضة الخارج بما أغضب الأتراك وتم إغتيال أحد قادتهم( مشعل تمو )لإتهام النظام في إغتياله لدفع الأكراد للتحرك ،لكن سرعان ما انكشفت المؤامرة واتهمت المخابرات التركية وأعطت ردة فعل عكسية، ومن ثم جاءت مشاركة بعض الأطراف الكردية في مجلس(إستانبول) بهدف حجز مقعد في المنظومة السياسية الجديدة في حال انتصرت المعارضة،لكنهم فوجئوا بعدائية الأخوان المسلمين وبرهان غليون وغيرهم ،وعدم إستعدادهم لإعطائهم مطالبهم الخاصة ووصل تهكم برهان غليون عليهم إلى تسميتهم(بالمهاجرين من فرنسا)وكذلك بسمة قضماني التي طعنت في وحدة الأكراد الوطنية وجعلت إنتمائهم إلى سوريا جريمة ،مما دفع المعارض الكردي مجيد يوسف راوي عضو مجلس إستانبول للتصريح(لا توجد ثقة بين الأكراد والمعارضة العربية)وقال( أعتقد أن الثورة في سوريا لم تعد بأيدي الشعب السوري بل أصبحت صراعا بين القوى الإقليمية.... يجب أن لا نثق بهذه الدول لأنها تضع مصالها أولا).
لقد احتضن النظام السوري(حزب العمال الكردستاني) بقيادة عبد الله أوجلان لفترة طويلة منذ السبعينات وكذلك مخيمات التدريب في ذروة صراع الحزب مع النظام التركي ولم يلغ هذا الدعم إلا بعد المصالحة السورية التركية وإبعاد أوجلان من سوريا.
وتسعى تركيا من وراء طرح(المنطقة العازلة)إلى تحقيق هدفين:
- تأمين منطقة جغرافية لتجميع قوى المعارضة السورية وتدريبها لإستنزاف النظام تحضيرا للتدخل الأجنبي على طريقة بنغازي في ليبيا.
- القضاء على إستقلالية المنطقة الكردية المحاذية(القامشلي والحسكة)لعدم ضمها إلى كردستان التركية وإلغاء الإصبع الجغرافي داخل الجسد التركي الذي يمكن إستعماله من قبل حزب العمال،الكردستاني بعد السماح أو تغاضي الطرف السوري عن تحركاته العسكرية ردا على إحتضان تركيا(للجيش السوري الحر)ومخيمات اللاجئين المقفلة.
وقد كشفت صحيفة "لوبوست" الفرنسية بتاريخ 20/11/2011عن ستة نقاط تم الاتفاق عليها بين اسطنبول و برهان غليون رئيس مجلس اسطنبول,و بموجب هذه النقاط تتدخل تركيا في صياغة الدستور السوري أولا وتحرم الأكراد من حقوقهم ثانيا وهذه هي بنود الاتفاقية:
-1 يجب على الحكومة السورية الجديدة الحفاظ على اتفاقية "أضنة" الموقعة في 1998 بين تركيا والنظام السوري ويتعهد الأخير بموجبه بعدم استضافة حزب العمال الكردستاني و عدم السماح للأنشطة على أراضيه التي تهدف الى "تهديد أمن واستقرار تركيا".
-2 على الحكومة المقبلة ألا تعترف بالكرد في الدستور السوري الجديد.
3 - كما ينبغي إضعاف دور الاحزاب الكردية بما في ذلك حزب الاتحاد الديمقراطي المعارض.
- 4 ينبغي للدولة التركية أن تكون قادرة على مد يد العون إلى الحكومة السورية ضد "الإرهاب" في المنطقة الكردية داخل الحدود السورية.
- 5 ينبغي على الحكومة المقبلة توفير السبل لجهود تركيا في مجالات الدعاية والإعلام والتعليم ضد الحركة الكردية.
- 6 ينبغي أن يسمح للسلطات التركية بتتبع "الارهابيين" في الحدود السورية، إذا لزم الأمر.
إن إستغلال القوة الكردية بين الطرفين السوري والتركي سيكون لصالح سوريا نتيجة العد القليل للأكراد في سوريا(1.5مليون كردي) وانعدام التاريخ الدموي بين الطرفين، والعدد الكبير للأكراد في تركيا حوالي 20 مليون كردي .
وقد وقع الأتراك في فخ إشتراكهم في المؤامرة الأميركية على سوريا عبر ثلاثة محاور:
- تأجيج الصراع المذهبي السني-العلوي مما سيستدرج الساحة التركية لهذا الصراع(15مليون علوي)في تركيا.
- الصراع القومي الكردي-العربي مما يشجع الأكراد لمواصلة وتصعيد إنتفاضتهم المسلحة والسياسية والمدنية ضد حكومة أردوغان.
- إقفال البوابة السورية أمام الأتراك وصولا للعالم العربي،وكان الأتراك يظنون أن بوابة(الأخوان المسلمين) أوسع وأكثر سهولة فإنهم سيصطدمون بالصراع مع السعودية التي تتبنى التيار السلفي الذي يواجه(الأخوان المسلمين)في الساحات العربية والأكثر من ذلك يهدد النظام العلماني الذي يتسلح به الأتراك خاصة المؤسسة العسكرية التي لم تنسجم ولم توافق على مشاريع(أردوغان- غول) حتى الآن مع كل الضغوط الغربية.
لقد وصل الأتراك إلى نقطة(اللاعودة)مع النظام في سوريا وفي دائرة المراوحة والغرق في الرمال السورية ، فليس بإستطاعتهم تنفيذ تهديداتهم العسكرية بمفردهم ولا يستطيعون التراجع بعد كل هذا التحريض والمساعدة لإرباك النظام السوري،فتحولوا إلى الدبلوماسية (المكوكية الجوالة)،لإبعاد حلفاء النظام عنه لإضعافه من خلال الوعود والإغراءات، وهذا ما حمله(أوغلو)خلال زيارته للبنان تارة بالتعهد للمسيحيين بحمايتهم(حيث أن تاريخ الأتراك يشهد بذلك!!)وتارة بإغراء المقاومة بأن الربيع العربي لصالحها وأنه يضمن إبقاء جسور التواصل بينها وبين المعارضة السورية(بينما تصريح برهان غليون والتيار السلفي في مصر يدحض هذه الإدعاءات).
لقد أدخل الأميركيون تركيا في أتون الصراع المذهبي والقومي بإستغلالهم طموحات وسطحية الثنائي(أردوغان –غول) مما يشعل المنطقة بحروب لا تنتهي وستدفع تركيا ثمن تآمرها ولن تدخل الإتحاد الأوروبي(المسيحي)مهما حاولت وتآمرت خاصة بعد إدانتها بمجازر إبادة الأرمن في البرلمان الفرنسي.
رهاننا على الشعب التركي المسلم الذي يهزم الخداع الرسمي لحزب العدالة والتنمية(الأميركي)وسينتصر لدينه وأخوته لحماية الأمن وأوطانها وثرواتها.