دول البريكس وإعادة التوازن الدولي
د.نسيب حطيط
بعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية، ومع تصاعد الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي والشرقي ظهرت في المشهد السياسي الدولي حركة عدم الإنحياز في مؤتمر باندونغ عام1955وعقد أول مؤتمرلها في بلغراد عام1961،وكان الهدف من تأسيسها قيام قوة عالمية ثالثة تلتزم الحياد بين المعسكرين الشرقي والغربي بما يحفظ حقوق المنتسبين إليها من المصادرة والسيطرة السياسية، وقد دعا إلى تأسيسها كل من الرئيس جمال عبد الناصر والرئيس اليوغسلافي تيتو و الأندونيسي أحمد سوكارنو ،وبعد إنهيار الإتحاد السوفياتي عام1990وسيطرة الإدارة الأميركية على الساحة الدولية كقطب أوحد،وعودة مشاريع الإستعمار والإحتلال بعد إنتهاء هذه المرحلة في الستينات من القرن الماضي وإحراز البلاد المحتلة إستقلالها من الفرنسيين والإنكليز والإسبان ، فلقد امتدت حقبة الإحتلال الأميركي والقوة الواحدة طوال عقدين من الزمن،ولم يصمد في وجهها إلا بعض الدول والحركات المقاومة مثل إيران وسوريا وبعض دول أميركا اللاتينية وحركات المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق وغيرها واستباحت أميركا العالم ومؤسساته الدولية.
نتيجة الصمود التاريخي لهذه الدول وحركات المقاومة،وبعد تعافي روسيا من تداعيات انهيار الإتحاد السوفياتي ونتائج التقسيم والتشرذم،تشكلت مجموعة(البريكس)والتي تضم كل من (روسيا –الصين-البرازيل-الهند-جنوب افريقيا ) والتي تمتلك مميزات وخصائص إستثنائية ومنها:
- إن الكتلة السكانية لهذه الدول تشكل40%من مجموع السكان في العالم.
- إن القوة الإقتصادية للمجموعة تمثل27%من الناتج الإجمالي العالمي .
- إن القوات العسكرية والنووية لهذه المجموعة توازي أو تتفوق على قوات الناتو والتحالف الغربي.
- البدء بتأسيس بنك للتنمية بمواجهة البنك الدولي لحماية الدول من السيطرة السياسية الأميركية.
- إعادة الحياة والعدالة للقانون الدولي وسيادة الدول وفق المعايير القانونية ،بعيدا عن الإملاءات الأميركية ،لإستعادة المؤسسات الدولية مثل مجلس الأمن ومجلس حقوق الإنسان ومحكمة العدل الدولية وغيرها من المؤسسات التي وجدت لحماية المظلومين والدول الضعيفة وتحولت إلى أسلحة خادعة بيد أميركا.
- إمتلاك مجموعة(البريكسBRiCS) للقوة النووية في أكثرمن دولة ، مما يؤدي إلى التوازن النووي العالمي.
- الموقع الجيوسياسي لهذه الدول والثروات الطبيعية والمساحة الجغرافية.
إن ظهور مجموعة البريكس ،يشكل إعلانا عن مرحلة جديدة للسياسة الدولية ترتكز على منظومة الأقطاب المتعددة وإسقاطا لمنظومة(القطب الواحد)الأميركي،وإن مجموعة البريكس تمثل نواة لتجمع دولي جديد سينضم إليه مباشرة أو غير مباشروفق منهجية التعاون أو التحالف دول متعددة في الشرق الأوسط مثل(روسيا-إيران-العراق...)ودول أميركا اللاتينية،بمايضمن التوازن الدولي،ويكبح جماح الهيمنة الأميركية على العالم،ويحمي الدول الضعيفة ويحبط المشروع الأميركي للسيطرة على العالم القائم على التقسيم وإثارة النزاعات الأثنية والقومية والطائفية والمذهبية.
إن صمود التحالف الإيراني-السوري في الأزمة السورية أمام الهجوم الدولي المختبئ وراء الإصلاح والديمقراطية قد فتح الأبواب للقيادتين الروسية والصينية لتجاوز عقدة الخوف والتردد،والبدء بالتمدد السياسي خارج الحدود وإستعادة دورهما السياسي على مستوى مجلس الأمن تحت مظلة القوة الإقتصادية خاصة الصينية التي تدين لها أميركا بالاف التريليونات من الدولارات وتحت مظلة حماية عسكرية كبيرة تستطيع حماية القرار السياسي وتنفيذ التهديدات والرد على الإعتداءات وفق منظومة تلازم القرار والقدرة على الرد.
إن العصر الأميركي وتابعيه إلى أ فول وإنحسار،تحت وطأة الأزمات المالية والإقتصادية،والفشل العسكري في أفغانستان والعراق والعجز عن إسقاط النظام في سوريا أو الضربة العسكرية لإيران و حركات المقاومة إلا من تم إغراؤه مثل حركة حماس والتي إنحازت إلى معسكر المعتدلين العرب بعيدا عن المبادئ والأهداف ،إلا بعضا من قيادتها وعناصرها،والتي خرجت من(المولد بلا حمص)وانساقت وراء الخداع القطري فحصدت الفشل.
لقد أثبت محور المقاومة والممانعة،أن لا شيء مستحيلا في مواجهة العدوان وأن المقاومة والتصدي والصمود قد أعطى ثماره،فانهزم المحتلون وخرجوا أذلاء،وخسر المراهنون على المفاوضات والإغراء ،وربح المقاومون عزة وكرامة بل وأكثر من ذلك هزيمة للمحتلين.