بعد الحرب العالمية الثانية،وانقسام العالم إلى محورين سياسيين وعسكريين المعسكر الغربي ( الناتو ) بزعامة الولايات المتحدة الأميركية والمعسكر الشرقي ( حلف وارسو ) بزعامة الإتحاد السوفياتي ، وبدء مرحلة الحرب الباردة بين المعسكرين ، أضطرت الدول والشعوب ، للانحياز إلى أحد المعسكرين ، خاصة وأن منظمة الأمم المتحدة ، والتي تأسست لحماية الدول والشعوب الضعيفة لم تستطع تحقيق أهدافها ، نتيجة سيطرة القوى العظمى وما سمي بالدول الكبرى الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن ، والتي توازي بصوتها كل الدول ، باستعمالها حق النقض ( الفيتو ) وتم إسقاط مبداء المساواة والعدالة الدولية ، و في غمرة هذا المخاض لتأسيس النظام الدولي ، فإن بعض الدول والتي تتجاوز بعدد سكانها أو جغرافيتها ، فرنسا وبريطانيا ، قد نحركت لإقامة منظمة دولية ، غير منحازة لأحد المعسكرين ، وتساند الدول وحركات التحرر التي تفتقر إلى الدعم الدولي ، لحماية سيادتها وحقوقها ، وكانت مصر بقيادة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ، والهند بقيادة لال نهرو ، ويوغسلافيا بقيادة تيتو ، والأندونيسي سوكارنو ، قد بادروا إلى تأسيس هذه المنظمة وانعقد مؤتمر باندونغ عام 1955 .
وبعد مرور أكثر من خمسين عاما على تأسيس حركة عدم الانحياز ، فإن هذه الحركة قد فقدت مؤسسيها ، وفقدت دورها على الساحة الدولية ، كعامل مؤثر ، ومقاوم للسياسات الاستعمارية الأحادية السلطة والقرار ، خاصة بعد انهيار الإتحاد السوفياتي ، حيث أفقد هذاالإنهيار ، حركة عدم الانحياز دور الصوت المرجح ، و انحصرت قيادة العالم ، بالقوة الأميركية المستعمرة ، في فترة غياب الند أو توازن القوى ، مما أسهم في التحاق معظم الدول بالمظلة الأميركية ، ، خاصة وأن هيكلية النظام الدولي قد تغيرت ، واستولدت دول جديدة ، بعد تفكك الإتحاد السوفياتي ، وقسمت دول مثل يوغسلافيا وتشيكوسلافيا، واحتلت دول ، ، و تحولت حركة عدم الانحياز ، إلى دائرة ( العدم ) السياسي والاقتصادي ، وانحازت لجانب الدولة الأقوى والمحور الأقوى ، المتمثل بأميركا والإتحاد الأوروبي ، وتحولت مؤتمراتها، إلى نوع من الفولكلور الدولي ، الذي لم ينتج سوى أبقاء هذه الحركة على قيد الحياة ، ولو إعلاميا ، واستخدامها في بعض الحالات ، لإصدار مواقف ضد بعض الدول ( المتمردة ) على القرار الأميركي وفي لحظة انعقاد مؤتمر عدم الانحياز في مصر ( شرم الشيخ ) لا بد من تسجيل الملاحظات التالية حول الأسس والسلوك والفعالية المتبقية من الحركة.
إن عدم الانحياز ، كحركة سياسية ، تهدف لعدم الانحياز إلى أحد المعسكرين الشرقي أو الغربي ، ولكنه حكما لا يعني التنازل عن الدور والواجبب بادلفاع عن المظلومين واستعادة حقوقهم ، والانحياز إلى جانب الدول الضعيفة ومقاومة الاستعمار ونصرة حركات التحرر الوطنية ، وحماية النظام الدولي من فلسفة ( الكاوبوي ) صاحب نظرية أن القانون يكتبه الأقوياء ، والحقوق يحددها الأقوياء وكذلك الحرية وقوانين العدالة.
وبما أن قمة عدم الانحياز تعقد بالقرب من حدود فلسطين المحتلة وقرب المفاعل النووي الإسرائيلي ، وبحضور الغواصة والبوارج الإسرائيلية، بموافقة الدولة غير المنحازة ،مصر، وعلى مشارف غزة المحاصرة والسجينة ، والتي تتعرض لعملية إبادة بشرية وحضارية ، يشارك فيها بعض ذوي القربى العرب والذين يستضيفون القمة ، يطرح السؤال ..؟
ما هو موقف القادة من هذا الحصار...؟! ألن ينحازوا إلى جانب الضحاياأم سيقفون على الحياد بين المحتل الغاصب ، والضحية المشردة....؟!
ما هو موقف قمة عدم الانحياز ، من احتلال العراق وأفغانستان ، والذرائع الكاذبة للإدارة الأميركية التي ارتكزت عليها للغزو ، وعادت واعترفت بكذبها وبطلان ادعاءاتها...؟!
ما موقف ( الدول غير المنحازة ) من امتلاك إسرائيل للسلاح النووي ، واستعمال الأسلحة المحّرمة دوليا...؟!
ما هو موقف عدم الانحياز من تهويد القدس...؟!
ما هو موقف عدم الانحياز ، من حقوق الإنسان و الأقليات في العالم و فرق الاغتيال الأميركية خارج الحدود...؟!
إن ابقاء حركة عدم الانحياز ، حركة مشلولة ، ومحايدة ، وهي التي تضم 116 دولة عضوا أي معظم دول العالم.ومع ذلك فإن هذه الدول إما تابعة للولايات المتحدة الأميركية ، وإما غير قادرة على المواجهة، إلا بعض الدول الممانعة في الشرق الأوسط ( سوريا – إيران ) وبعض دول أميركا اللاتينية ( فنزويلا – كوبا – بوليفيا ...).ولذا فعلى حركة عدم الانحياز ضرورة تفعيل قواها الذاتية وإثبات وجودها على الساحة الدولية ، من خلال الخطوات التالية:
- إعادة تأسيس ( حركة منحازة ) إلى الحق والحرية ، تكون نواتها ، دول الممانعة والمقاومة ، وتضم إليها كل حركات التحرر الوطني ، وفق معايير المقاومة ، لإعادة الاعتبار إلى القانون الدولي ، والعدالة ، ولإعادة الاعتبار إلى أنظمة الأمم المتحدة وليس أنظمة الولايات المتحدة الأميركية .
- ضرورة التعريف بالمصطلحات وفق معايير العدالة والقيم الأخلاقية والإنسانية ، لحماية حركات المقاومة ، وعدم وصفها بالإرهاب ، حتى لا يصبح المحتل القاتل في أفغانستان والعراق وفلسطين ولبنان ، حاميا للديمقراطية ولحقوق الإنسان ، ويتحول الضحايا إلى خارجين عن القانون.
- العمل لإنشاء مؤسسات قانونية ،تماثل المحكمة الجنائية الدولية المصادرة أميركيا أو مجلس الأمن.
-تأسيس حلف عسكري دفاعي يواجه القوة الأميركية وحلف الناتو، لمنع الإعتداء على الدول واستفرادها ، لأن الحقوق والعدالة لاحميها الا القوة العاقلة والعادلة.