روسيا تركيا الإقتصاد ينتصر على السياسة .
د.نسيب حطيط
تتميز العلاقات الروسية – التركية تاريخياً ،بالتوتر والحروب ، حيث نشبت خلال الخمسة قرون الماضية عشرة حروب بين الأمبراطورية العثمانية والروسية في عهد القياصرة ورجحت السيطرة على جزيرة القرم ميزان القوى بين الأمبراطوريتين وعندما سيطرت روسيا على القرم استطاعت الإنفتاح على البحر الأسود والمياه الدافئة التي سعت الملكة كاترين للوصول إليها منذ القرن الثامن عشر حتى لا تتجمد في صقيع الشمال.
بالتزامن مع الصدامات العسكرية والحروب كانت تركيا وروسيا تجتمعان حول التعاون الإقتصادي، لما فيه مصلحة الطرفين بالإضافة إلى التأثير التركي على مكونات الشعب القوقازي وآسيا الوسطى والقرم الذي يتواجد فيه مواطنون من جذور تركية يضاف إليها الآن الدعم التركي للسلفيين التكفيريين في سوريا والعراق وينسحب ذلك على الدعم للسلفيين في الدول المجاورة لروسيا والشيشان وغيرها ولذا فإن العلاقات الروسية – التركية علاقات معقدة ومركبة وتتسم بالتناقض الإيجابي برغم الخلافات المتعددة وفق التالي.
- تركيا رأس حربة للناتو والغرب بمواجهة الإتحاد السوفياتي سابقاً وروسيا حالياً وحاضنة الدرع الصاروخية الأميركية ضد ايران وروسيا .
- الخلاف حول الوضع في سوريا وإسقاط النظام ،فاردوغان التركي يرى في بقاء الرئيس الأسد هزيمة شخصية له وإعداماً لطموحاته العثمانية ومنع التمدد بإتجاه سوريا وصولاً لحليفته الإستراتيجية إسرائيل والروس يرون في إسقاط النظام السوري هزيمة لهم ستؤدي إلى طردهم نهائياً من منطقة الشرق الأوسط بعد خديعة الغرب لهم في ليبيا .
- تركيا بوابة الغاز الروسي إلى أوروبا والتي تحتاجها روسيا لإحداث إختراق إقتصادي يؤثر على تدجين الموقف السياسي والأمني التركي وكذلك تركيا التي يعتمد إقتصادها على جني ثمار الحصار الغربي على روسيا وإيران فتستفيد تركيا من كونها بوابة إقتصادية على ايران وروسيا والخاسر الأكبر هي أوروبا حيث ستسعى تركيا لأن تكون بوابة الطاقة بين الشرق والغرب.
لقد استعادت روسيا تأثيرها الإقليمي بعد سيطرتها على جزيرة القرم بعد الأزمة الأوكرانية التي اشعلها الناتو لحصار روسيا بعد محاولاته في جورجيا والشيشان ،فأمتلكت روسيا مفاتيح البحر الأسود وخسرت أوروبا وأميركا قاعدة متقدمة ضد روسيا ،مما أحدث توازناً على المستوى العسكري مقابل حلف الناتو ورأس حربته تركيا ولذا فإن الطرفين الروسي والتركي يتبعان استراتيجية التعاون الإقتصادي والتجاري والصفقات المتبادلة والمساكنة السياسية في الخلاف على الملفات السياسية في المنطقة حيث يسعى الطرفان للوصول إلى صفقة المائة مليار دولار في التبادل التجاري لتخفف روسيا من تأثير العقوبات الإقتصادية المفروضة عليها وتربح تركيا ثمن الغباء الغربي بالعقوبات وتحتل دور "البربارة" الإقتصادية لأوروبا فتبيع المنتوجات الأوروبية كبلد ترانزيت يضع الماركة التركية على البضاعة الأوروبية ويصدرها إلى روسيا وإيران وبطريقة عكسية للصادرات الإيرانية والروسية خاصة النفط والغاز وكذلك التحويلات المالية عبر البنوك التركية والمؤسسات المالية.
إن إقفال أبواب الإتحاد الأوروبي بوجه تركيا لمدة خمسين عاماً وعدم تلبية أميركا لرغبات تركيا بإسقاط الرئيس الأسد وإقامة المنطقة العازلة والربح الإقتصادي عوامل ثلاث تدفع تركيا للتعاون مع روسيا ،وتتراقص تركيا على حبال المصالح المتبادلة والتناقضات الغربية –الشرقية وإستغلال منطقة الفراغ السياسية الحالية قبل التفاوض النهائي بين ايران ومجموعة (5+1 )وتثبيت مشاريع تمديدات الغاز والنفط الروسي والايراني الى اوروبا قبل نهاية الخلاف الأميركي الإيراني خصوصا .
هل يستيقظ السلطان أردوغان من أحلامه الواهمة ويقتنع أن بيئته الحاضنة هي الشرق والبحور الأربعة وليس الإتحاد الأوروبي وأميركا أو إسرائيل أم سيدفع تركيا إلى مغامرات جديدة ليكون نيرون اسطنبول ويحرق ما بناه أسلافه لتحقيق أحلامه ... مع وجوب تذكيره بأن معظم الحروب بين روسيا والعثمانيين قد ربحتها روسيا !