روسيا العظمى تولد من الرحم السوري
د.نسيب حطيط
تعتبر الحرب الأميركية على سوريا بمثابة المعركة الأخيرة في الإستراتيجية الأميركية للسيطرة على الشرق الأوسط وحماية إسرائيل من حركات وأنظمة المقاومة فتحقق أميركا هدفين:
-حماية وجود إسرائيل.
-السيطرة على النفط والغاز.
لقد حشدت أميركا كل القوى العالمية وسخرت الجامعة العربية وأتباعها والمؤسسات الدولية لهذه المعركة لحسمها قبل فوات الآوان ،لتنتقل بعدها لإسقاط إيران وروسيا وحصار الصين ولتعويض خسائرها المفترضة بعد إسقاط الرؤساء التابعين لها وبقاء أنظمة الحكم وأذرعه والفعاليات الإقتصادية والنخب الإعلامية والثقافية التابعة للثقافة الغربية ،ولأن شعارات الديمقراطية والإصلاح أفضل وسائل الحرب الناعمة لهزيمة الأنظمة المتمردة والممانعة لإسقاطها من الداخل بالثورات الملونة(البرتقالية والخضراء والزرقاء...) فقد لجأت أميركا لتفجير الموقع الأخير المتمثل بسوريا يساعدها الأتباع والأذناب والإنتهازيون مع المراهنة على(الخمول)الروسي والتردد الصيني في المؤسسات الدولية وفي الميدان مستفيدة من(الفخ الليبي)الذي سقطت فيه روسيا وخسرت أهم ساحاتها في أفريقيا نتيجة الخديعة الأميركية وعدم الحزم الروسي، حيث حاول الأميركيون تجربة الخطة بنسخة مكررة في سوريا لإقتلاع روسيا من المغرب والمشرق العربي.
لقد إستوعب الروس الدرس الليبي وفهموا أهداف الأميركيين من إستغلال الحراك السوري ،فبادروا إلى التحرك الوقائي لحماية دولتهم من الإضطرابات عبر دعم النظام في سوريا مستفيدين من الصمود والصلابة للجيش والشعب والإدارة السياسية للنظام وكذلك من الموقع الجيوسياسي الإستراتيجي وبعض أوراق القوة لسوريا عبر حلفائها من حركات المقاومة وإيران والعراق، وإختاروا القتال في دمشق للدفاع عن موسكو ،بالإضافة لإقتناص اللحظة التاريخية التي لن تتكر إلا بعد عقود من الزمن لإستعادة أمجاد الإتحاد السوفياتي كقوة عظمى ترثها روسيا لتصبح (روسيا العظمى) لإنهاء عشرين عاما من الهوان والضعف بعد إنهيار الإتحاد السوفياتي، وحتى لا تتطاول قطر على روسيا في مجلس الأمن بعدما تطاولت على سفيرها في الدوحة وتنقلب الأدوار فتصبح(قطر العظمى)أو(قنينة الغاز العظمى)مقابل روسيا الضعيفة.
وإسترجاعا للتاريخ منذ الملكة كاترينا الثانية الروسية التي أرادت الإنفتاح على المسلمين واعطتهم بعض حقوقهم لضمان عدم تمردهم عليها ،ولكي تفتح لروسيا منفذا إلى المياه الدافئة حتى لا يتجمد السوفيات في صقيع الشمال، فبادر الثلاثي(الروسي-الإيراني-السوري)مدعوما من الصين في حرب إستعادة المواقع الدولية وساحاته السابقة ،وكذلك صوته في المؤسسات الدولية وكان أولها مجلس الأمن الذي يشكل(المخ)الدولي لأميركا وأتباعها لإخضاع المتمردين أو محور الشر كما تسميهم أميركا، او لحصار القوى الصاعدة التي اجتمعت بعنوان دول(البريكس) فكان الفيتو الروسي –الصيني المزدوج الأولعام 2011 المنازلة الأولى في التصدي الروسي للهيمنة الأميركية قبيل الإنسحاب الأميركي في العراق، وبدأت الحرب لإلغاء منظومة القطب الواحد الأميركي في العالم وتوالت المعارك ضد الهيمنة الأميركية عبر الدعم الروسي للنظام في سوريا ومعارضة العقوبات الإقتصادية على إيران.
إن الوضع الدولي يتبلور على مشهد معسكرين متقابلين، تقود أحدهما أميركا وحلفائها والثاني روسيا والصين وحلفائهما، يتجاوز في صراعه مسألة الوضع السوري الداخلي إلى مناقشة المشهد العالمي الجيوسياسي للمرحلة القادمة، وتحديد القوى المؤثرة في العالم، فإذا انتصر المحور الأميركي دخلت المنطقة في مرحلة الحروب الأهلية والفتن الداخلية وصولا إلى تقسيم البلاد العربية والإسلامية إلى ما يشابه قطر ودول الخليج والتي اثبتت فعالية نموذج الكيانات الصغيرة في خدمة المشروع الأميركي الإقتصادي والعسكري، وإذا انتصر محور الممانعة بالتحالف مع روسيا والصين ستحافظ البلاد العربية والإسلامية وكذلك روسيا والصين على وحدتها وإستقلالها وحفظ ثرواتها، وستنكفئ أميركا إلى داخل حدودها، وستكون أوروبا أولى الخاسرين وكذلك دول الخليج، لأن أميركا لا تدفع من جيبها بل تتخلى عن أتباعها عند إنتهاء صلاحيتهم وإنتفاء خدماتهم ،هكذا فعلت في فيتنام ومع حسني مبارك وبن علي والقذافي، وكذلك فعلت إسرائيل مع عملائها من جيش لحد ،وستترك أميركا المتعاونين معها من مجلس(إسطنبول)والمسلحين عندما تتقدم المفاوضات، خاصة وأن طرق التدخل العسكري باتت مسدودة في سوريا وطرق التدخل الدولي العنيف(الدبلوماسي) مسدودة في مجلس الأمن والإنتخابات الرئاسية الأميركية على الأبواب والأزمة المالية الأميركية تجبر أوباما على الإنسحاب السريع من أفغانستان للهروب من مستقنعات أفغانستان التي يمكن أن يثأر السوفيات من الأميركين فيها ،ويذيقونهم طعم ما ذاقوه أثناء غزوهم ،بعدما دعمت أميركا الأفغان العرب وغيرهم، فيعيد الروس الكرة ضد الأميركيين يعاونهم الإيرانيون.
إن صمود سوريا قيادة وشعبا وجيشا هو مركب النجاة لمحور المقاومة والممانعة وللقضية الفلسطينية التي ستبدأ بالذوبان، بعدما اتجهت حماس لإلقاء السلاح والتخلي عن المقاومة عبر تحالف(مشعل-عباس-حمد) وهذا ما ربحته إسرائيل من الفتنة السورية حتى الآن كجائزة ترضية بديلا عن خسارتها بإسقاط النظام.
إن صمود سوريا فتح الطريق أمام روسيا لتعود قوة عظمى تكسر الآحادية وتثبت منظومة الأقطاب المتعددة في العالم بديلا عن القطب الواحد الذي عاش عشرين عاما فقط، بينما كانت الأمبراطوريات الكبرى تعيش مئات السنين.
ستنتصر المقاومة وشعوب المنطقة وسيهزم المستعمر والمحتل ،وسيخذل المتآمر والتابع وستبقى الأوطان محمية بسواعد شرفائها وليس بأموال مشايخها.