روسيا وإيران في سوريا تنافس أم تحالف
د.نسيب حطيط
يتساءل البعض عن حسن نية والبعض الآخر بسوء ...هل ان التدخل الروسي سيلغي الدور الإيراني في سوريا والمنطقة لوراثة الدور والنفوذ الإيراني وتقاسم المنطقة مع اميركا والغاء الأدوار السياسية لدول المنطقة الناشئة مثل تركيا وإيران والسعودية لإستعادة زمام الأمور الإقليمية بعد إنفلاتها بعدما أشعلتها اميركا بإسم الفوضى الخلاقة التي زلزلت الكيانات وهجرت الشعوب فكان العالم العربي يعايش محنة اللاجئين الفلسطينيين ولم يقدر على حلها منذ ستين عاما ثم أصيب باللاجئين السوريين والعراقيين والليبيين وغيرهم.
إن القلق الذي ينتاب مؤيدي محور المقاومة نتيجة خيبات الأمل التي أصيبوا بها من القريبين والأبعدين يضعهم في موقع الخوف والحذر الدائم مما يعرضهم لسهام الشك والريبة وأهدافا" سهلة للإشاعة والبروباغندا الإعلامية المضادة فلا يفرحوا بالإنتصار او بمساعدة الآخرين لهم في حربهم ضد الإرهاب اما البعض السيء الذي ينفذ المهام الموكولة إليه لتصديع وتهشيم محور المقاومة ولإحداث الشرخ بين مؤيدي ايران وروسيا لمحو الأمل القادم بالقضاء على الإرهاب وإستعادة الحياة الآمنة والكريمة في سوريا والمنطقة وإستكمالا لمراحل الحرب الناعمة التي تتلازم مع الحرب الساخنة والدموية القائمة والتي لازالت منذ إحتلال فلسطين والغزو المتعدد الجنسيات والدول .
وتوضيحا للتساؤلات المطروحة حول التنافس الإيراني – الروسي او إمكانية الصراع على الساحة السورية خصوصا" لما تشكله من حاجة إستراتيجية لكلا البلدين ،فالموقف الروسي يرغب بتحقيق الهدف التاريخي للقياصرة الروس وبعدهم البلاشفة والإتحاد السوفياتي الذين كان حلمهم وجهدهم يتركز على البقاء في المياه الدافئة في المتوسط وقد نجحوا عندما تأسس اليمن الجنوبي وقاعدة طرطوس والوجود السوفياتي في لبيبا والجزائر، لكنهم وجدوا أنفسهم مطرودين من المنطقة ولم يتبقى لهم سوى الساحل السوري المهدد من حلف الناتو بإسم مستعار "التكفيريون" بأسمائهم المتعددة في تكرار لتجربة أفغانستان والإتحاد السوفياتي وحاجتهم الملحة لتأمين نوافذ نحو العالم الخارجي بعد تعرضهم للحصار والعزل بعد مشكلة أوكرانيا وجزيرة القرم بالإضافة أن سوريا تشكل جسر العبور لروسيا لإستعادة الدور الدولي وحاجة استراتيجية للقضاء على التكفيريين في بلاد الإتحاد الروسي الذين سيعودون لتفكيك الإتحاد في حال نجاحهم بإسقاط سوريا ولذا فإن معركة الروس في سوريا هي من أجل حماية أمنهم القومي والإستراتيجي وإن كانت سوريا ومحور المقاومة يستفيدون بلا شك من هذا التدخل الذي يحقق توازن القوى عالميا ويوازن بين الدعم العالمي بقيادة اميركا للمسلحين التكفيريين وبين دعم روسيا للدولة السورية واهمية هذا التدخل وديمومته انه حاجة ومصلحة روسية لن تتحقق او تتوفر بوقت قصير وبحاجة لمدى زمني لا يقل عن عشرين عاما لتثبيت المعادلات العالمية وإنتهاء الهزات الإرتدادية، لما سمي الربيع العربي الدامي وهذا ما قاله لي احد المسؤولين الروس في صيف عام 2014 (ان روسيا ستخوض حرب المضائق الأربعة ومنابع النفط والغاز بالتحالف مع المحور المقاوم بمواجهة التحالف الأميركي مع تركيا ودول الخليج وسيبقى هذا التحالف لعشرين عاما" قادمة على الأقل ويمكن ان يتجدد لفترة أخرى )!
إن روسيا لا تستطيع منفردة تحقيق هذه الأهداف وهي التي لا تكاد تخرج من قمقمها بعد سبات تجاوز العقدين ولابد لها من تحالفات مع الدول والقوى المقاومة للمشروع الأميركي ،لأن أميركا والإتحاد الاوروبي وبعد التجربة لا يريدون إعطاء روسيا الدور او حقوقها المكتسبة بل يتعاملون معها على انها دولة نامية من دول العالم الثالث وبسبب الموقع الجيو- سياسي لإيران وحلفائها والإمكانيات الإقتصادية على مستوى مصادر الطاقة والقوى العسكرية (غير المنظمة) القادرة على مقاومة عصابات اميركا التكفيرية وإثبات جدارتها في سوريا، فإن تقاطع المصالح من جهة وحاجة كل طرف للآخر لحماية مصالحه وحقوقه من التمساح الأميركي ولعدم قدرة الطرفين (روسيا ومحور المقاومة )على الصمود بشكل منفرد مما يفرض عليهما التحالف سواء مكرهين او بقناعتهم فهو حلف الضرورة والحاجة بالإضافة لعدم وجود تضارب في المصالح وعدم وجود حرب عقائدية بين الطرفين ،كما كان زمن الإتحاد السوفياتي خاصة وان النظام الروسي أعاد للكنيسة الشرقية بعض حضورها ودورها ونتيجة إحتضان محور المقاومة للوجود المسيحي في الشرق وعدم انتهاجه المنهج التكفيري ضد الآخرين .
ليطمئن الذين ينتابهم القلق والريبة، فإن التحالف الروسي مع محور المقاوم قائم وغير مهتز ولن يحدث صراع او تنافس بل تكامل وتعاون وحتى لو انقلبت روسيا على محور المقاومة ،فإن من صمد بوجه الحرب الأميركية العالمية خمس سنوات يستطيع الصمود لعقود(إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم )(ولاتهنوا ولاتحزنوا وانتم الأعلون).