سوريا تفرض إتفاقية بوتين أوباما
د.نسيب حطيط
ولد الشرق الأوسط الحالي بإتفاقية )سايكس – بيكو) أي تقاسم النفوذ بين الإستعمارين الفرنسي والإنكليزي في البلاد العربية وبع مائة عام تقريبا تولد إتفاقية( بوتين –أوباما) على أنقاض مشروع الشرق الأوسط الجديد أو الكبير ، لإعادة رسم الكيانات ، خلافا للمخطط الأميركي الذي يرتكزعلى تقسيم وتصغير ( اللقمة ) لإبتلاع المنطقة، وكانت أول إنتكاسة للمشروع بإنتصار المقاومة في لبنان عام2006 وإستطاع الأميركيون مع حلفائهم الغربيين وبعض الأعراب الخليجيين من تحقيق نجاحات واضحة في تهشيم الأمة العربية والإسلامية تمثلت بالتالي:
- إلغاء الإنتماء الوطني والديني وتنمية الإنتماء المذهبي والقبلي والقومي المتعصب.
- إسقاط الأنظمة وتذويب سلطة الدولة ، وإستبدالها بتجمعات سياسية غير قابلة للحياة أو القيادة عبر المجالس الإنتقالية أوتنسيقيات الثورة المفترضة.
- تغييب قضية الصراع العربي – الإسرائيلي و تحرير فلسطين وإلغاء أو تدجين حركات المقاومة الفلسطينية ، وإدخالهم في أنفاق المفاوضات طويلة الأمد كرهان على إنهاء الأجيال المقاومة وتسليم السلطة للأجيال المهادنة والتي عاشت في الغربة والشتات والمصالح والفنادق.
- إلغاء الهوية الحضارية والدينية ( المسيحية والإسلامية ) والقضاء على جذورها ورموزها في الشرق.
- تحريف الفكر الديني الإسلامي وصناعة الإسلاموفوبيا وإظهار الإسلام كحركة إرهابية تذبح وتدمر وإلغاؤه كمنظومة متكاملة للحياة.
ووصل "البلدورز" الأميركي إلى سوريا لإسقاط آخر قلاع المقاومة والممانعة في الوطن العربي وعاث فيها فسادا وتدميرا بتجميع عشرات الآلاف من التكفيريين في محرقة جماعية لهم وللجيش والشعب السوري وكل ذلك بإسم الدين والديمقراطية، لكن سوريا وحلفائها صمدوا وقاوموا أكثر من 25 شهرا وإستطاعوا إستيعاب الهجوم الدولي والإقليمي وأيقظوا الدب الروسي والتنين الصيني من سباتهم السياسي والعسكري لإسترجاع دورهم الدولي وبدأت إرهاصات الفشل الأميركي وبداية ولادة العالم الجديد وليس الشرق الأوسط الجديد وفق إتفاقية (بوتين – أوباما ) المتوقعة وفق التالي:
- إلغاء الآحادية الأميركية على المستوى العالمي والبدء بالقيادة المتعددة الأقطاب بدء بالثنائية ( الروسية – الأميركية).
- إلغاء اللاعبين القدامى من الفرنسيين والبريطانيين وتحويلهم إلى أتباع لأميركا.
- الإعتراف بقوى إقليمية جديدة وفي مقدمتها إيران مع منافسة بين الثلاثي( التركي – السعودي – المصري) لإنتخاب ممثلمهم للتفاوض مع الطرف الإيراني على مستوى الإسلام السياسي.
- منع تقسيم الدول كما حصل في السودان أو ما يتعرض له العراق بعد فشل إسقاط النظام والدولة في سوريا وبالتالي إلغاء مشروع تقسيم سوريا الذي يمثل قنبلة لتفجير الدول المجاورة وتقسيمها وفق مشروع الشرق الأوسط الجديد.
لكن المشكلة الأساس تتمثل في مسألة حماية الكيان الصهيوني وتصفية القضية الفلسطينية ومشكلة اللاجئين والوطن البديل حيث أن ما تريده إسرائيل من كل ما يسمى الربيع العربي كيفية إبقاء إسرائيل الدولة الأقوى في المنطقة وإسكات المقاومة بشكل عام وإغلاق جبهة غزة وتحييد حركة حماس وتدجينها خليجيا بعدما تم إسكات حركة فتح بعد إتفاقيات أوسلو.
لكن سوريا وحلفائها ربحوا جولة حرب السنتين على المستوى السياسي والعسكري وإن كان الثمن باهظا على المستوى الإنساني والدمار والأمن الإجنماعي وبدأوا بحشد أوراق القوة التي يملكونها وهي:
- تعويض إغلاق جبهة غزة المقاومة بجبهة الجولان التي يمكن أن تتحول إلى جبهة مقاومة عربية وإسلامية وحتى عالمية في إستعادة لتجربة الجيش الأحمر الياباني والمناضل كارلوس وبعض المنظمات اليسارية من أميركا اللاتينية وغيرها.
- توسعة ساحة الصراع الميداني وعدم حصرها في لسوريا ونقلها إلى ساحات الدول الداعمة للتكفيريين.
- تعطيل الهيمنة الأميركية على مجلس الأمن والمال الخليجي على الجامعة العربية وإرجاع جنيف ساحة تفاوض كأرض محايدة وبدء المفاوضات المتكافئة والمتوازنة.
- فضح محور ما يسمى ( الربيع العربي ) وكشف المؤامرة الأميركية – الإسرائيلية التي أجهضت المطالب العادلة للشعوب العربية وكذلك عورة الإسلاميين الجدد ومقايضتهم السلطة بالمبادئ والشعارات التي رفعوها طوال عقود ماضية.
- إتفاقية (بوتين – أوباما ) لن تنحصر في سوريا أو الشرق الأوسط بل ستطال تقاسم النفوذ أو إدارة الخلاف أو محاصرة النفوذ الأميركي على المستوى العالمي وإلغاء دور ( أوروبا) السياسي لصالح قوى البريكس وإلغاء دورها الإقتصادي أيضا لمصلحة الإقتصاد الصيني.
- إتفاقية( بوتين – أوباما) ومؤتمر(جنيف2) سيعلن فشل إسقاط سوريا وإعلان سقوط الهيمنة الأميركية على العالم وإنفجار الفقاعات السياسية الطارئة مثل قطر وغيرها لمصلحة الدول ذات الحضارة والقوة.
لقد إستطاع محور المقاومة بالإرادة والأمل والثقة بالنفس وبالعدالة الإلهية أن يهزم الجبروت الأميركي ويؤسس لإستعادة هوية الأمة وحقوقها ومقدساتها.
إذا لم تنجح إتفاقية ( بوتين – أوباما ) في مؤتمر جنيف فإن جولة من العنف والحرب ستبدأ بشكل أكثر سخونة حتى يتقبل الأميركيون خسارتهم ويثبت محور المقاومة أرباحه والعودة إلى التفاوض الأخير.
الصراع في سوريا ليس صراعا حول رئيس أو نظام ،بل إنها حرب عالمية ثالثة (مصغرة)بعد حوالي قرن على الحرب العالمية الأولى .... فهل يرضخ الأميركيون أم يطيلون المعركة بإنتظار الحرب العالمية الثالثة الكبرى؟