سوريا ثورة أم غزو أميركي تكفيري
د.نسيب حطيط
قبل عامين تقريبا،بدأت المظاهرات في سوريا تطالب بالإصلاح والديمقراطية ومكافحة الفساد،وهذا حق للشعب وواجب على الدولة الراعية،وأستجابت الدولة بشكل تدريجي لبعض المطالب السياسية الأساسية فألغت المادة الثامنة من الدستور(قيادة الحزب الواحد)وقانون الطوارئ ومحكمة أمن الدولة وغيرها من المطالب السياسية ،ودعت إلى الحوار الوطني لكن الأحداث التي جرت فيما بعد أكدت وبالوقائع أن أحلام الشعب السوري بالإصلاح ومظاهراته قد أستغلت وصودرت من الخارج ضمن مشروع كبير هو إسقاط سوريا وعقابها على مواقفها الداعمة للمقاومة ومقاومة المشروع الأميركي.
بعد أشهر قليلة غابت الحركات الشعبية السلمية وظهرت المعارضة المسلحة وفتحت مخابئ الأسلحة والأنفاق والكتائب السلفية ومجموعات القاعدة ،وكأن التحضيرات قد بدأت قبل بدء المظاهرات وحتى قبل الثورة المصرية أو التونسية ،وتبين أنه بعد خروج الجيش السوري من لبنان عام2005بدأت أميركا بالتعاون مع العدو الإسرائيلي وحلفائهم العرب(الخليجيين خاصة)والأتراك بمطاردة سوريا ،لظنهم أن إنسحابها من لبنان يشكل بداية الهزيمة ولتأمين معركتهم في سوريا فقد بدأوا الهجوم العكسي إبتداء من لبنان في حرب تموز2006 للسيطرة على الساحة اللبنانية المثالية والمتواصلة مع إسرائيل والتي تستطيع الوصول إلى دمشق خلال30دقيقة من الحدود اللبنانية من المصنع ،بدل الدخول إلى سوريا من الجهة التركية التي تبعد مئات الكيلومترات ولهذا تم تحضير حمص ومحيطها أمام إحتياط إستراتيجي يشمل حركة حماس وبعض الفلسطينيين في مخيمات دمشق وغيرها من المخيمات التي كانت تستقبل السلاح على الخطوط العسكرية والمقرات الأمنية الفلسطينية التي كان السوريون يسهلون عبرها (طريق المقاومة)التي تبين أنها ليست بإتجاه فلسطين ولكن بإتجاه دمشق!
ويتساءل المواطن السوري ونحن معه.... هل ما يجري في سوريا ثورة شعبية داخلية أم غزو خارجي بقيادة أميركية وتحالف سلفي-تكفيري تقوده جبهة النصرة والقاعدة؟
وهل الثورة الشعبية قاصرة عن إحداث التغيير إلا بمساندة التكفيريين من أصقاع العالم من أفغان وشيشان وسعوديين ويمنيين وليبيين وغيرهم؟
من فتح لهم أبواب السجون في الخليج وأوروبا بشرط القتال في سوريا؟
هل انحصر إعتماد(إئتلاف الدوحة)والمعارضة الخارجية على جبهة النصرة فقط؟حتى صار بعض السياسيين اللبنانيين من المؤيدين أيضا لجبهة النصرة والقاعدة مع أنهم يكفرونه مع طائفته ويتهمونهم بالفاحشة؟
وهل الثورة الشعبية تدمر المستشفيات والمدارس والجسور والسدود والمصانع وتنهب البيوت وتقسم الشعب السوري إلى طوائف ومذاهب وعلمانيين و حتى صار معظم الشعب السوري كافرا يستحق القتل والذبح بالسواطير وقطع الرؤوس وإغتصاب النساء وإنعدام الأمن وتدهور الإقتصاد وصرف ما بنته الدولة والشعب طوال40عاما مضت؟
فهل هذه ثورة تستحق التأييد...أم أنها غزو خارجي بأيد إسلامية الهوية وسورية الجنسية لكن عقولها وأيديها تتحرك بإ رادة خارجية متآمرة؟
لقد غزت أميركا العراق وأفغانستان والصومال بجيوشها وفشلت وإنهزمت بعد إحراق هذه الدول ونشر الفوضى لكن أميركا خسرت قتلى من جنودها وخسائر من إقتصادها عوضته أموال النفط العربي وصفقات السلاح الواهية، وبدلت أميركا خططها وإستراتيجيتها واتجهت نحو الغزو(بالواسطة)بواسطة تحالف(المال الخليجي والفكر التكفيري)الذي نجح في ليبيا بعد خديعة الروس والصين الذين خسروا في ليبيا(النفط والغاز والموقع الجيوسياسي) فنقلت أميركا الأفواج المجوقلة للتكفيريين إلى سوريا والتي لا زالت تخرب منذ أكثر من عشرين شهرا ،فإذا نجحت في إسقاط النظام نقلت هذه الأفواج التكفيرية إلى بلد آخر إيران أو روسيا لإستكمال إستراتيجية قيادة العالم بدلا من السيطرة على العالم، وإذا إنتصر النظام تكون أميركا قد تخلصت من الأحمال التكفيرية الزائدة في الجحيم السوري.
لكن الصمود السوري الذي أحرزته الدولة والشعب والجيش بالتحالف مع ما تبقى من محور المقاومة قد عرقل المشروع الأميركي العام وبدأ ينذر بتفجير ساحات البلدان المجاورة(لبنان-تركيا و الأردن...) وأبعد حماس عن محور المقاومة إلى أحضان الهلال الأميركي(مصر-تركيا وقطر)وبدأت المذهبية والقومية تقسم المجتمع التركي الذي لن يصمد طويلا أمام إلارتدادات السورية ليحصد(أردوغان-غول)ما زرعوه في سوريا وفشلهم في إكمال المشروع الأميركي، وأما الأخوان المسلمون الذين كشفوا أوراقهم السياسية التي تعتمد على مهادنة إسرائيل والتحالف مع أتباع أميركا فلن يستطيعوا حكم الدول التي أسقطت الأنظمة فيها لأن السعودية(الوهابية)لن تسمح بذلك والصراع السعودي-القطري سيترجم صراعا(سلفيا-إخوانيا)على ساحات العالم العربي والصراع بين العلمانيين والقوميين والإسلام المعتدل سينفجر مع الإخوان المسلمين والسلفيين يضاف إليهم الدسائس الأميركية والإسرائيلية.
المعركة في سوريا لن تنحصر نتائجها سلبا أو إيجابا في الداخل السوري بل سترسم المشهد السياسي العام للمنطقة وللعالم وإن سقط النظام سقط معه كل المشروع المقاومة والمعارض للآحادية الأميركية وسيدفع ثمنه حتى الروس والصينين، ولذا فالمعركة طويلة ولكنها لصالح شعوب المنطقة المقاومة والهزيمة ستكون للغزاة الجدد كما كانت الهزيمة للصليبيين الغزاة والعثمانيين ولكل محتل لهذه الأرض.