لقد ابرقت القيادة السورية، برسالتن مصورتين،للرأي العام وخاصة الأميركي والاسرائيلي،متناقضتين في الهدف والنوايا،متكاملتين في تظهير الموقف السوري،الذي تجاوز مرحلة ردة الفعل،إلى مرحلة القيام بالفعل والمبادرة،ولم يعد أسير الإملاءات الأميركية والأوروبية والعربية أيضا.
ففي الصورة الأولى التي جمعت الرئيس بشار الأسد مع الرئيس الإيراني أحمدي نجاد ومعهما السيد حسن نصر الله كانت الرسالة الأولى،تقول بأن سوريا مستعدة للدفاع عن أرضها وخوض الحرب إذا فرضت عليها،وأنها ليست وحيدة في الميدان،ولن تستفرد أمام الحشد الإسرائيلي الأميركي،الذي يحاصرها في العراق(أميركا)،ومن فلسطين(إسرائيل) ،بل أن وحدة الجبهات اللبنانية والسورية والإيرانية،وما بينهما، تجعل أي عمل عدواني أميركي أو إسرائيلي بمثابة مغامرة،ستشعل منطقة الشرق الأوسط بحرب غير مسبوقة،مع تداعياتها العالمية المتعددة.
والرسالة الثانية،كانت عبر الصورة التي جمعت الرئيس بشار الأسد مع الرئيس التركي وأمير قطر،في إسطنبول والتي أرادت سوريا الإعلان فيها عن سعيها للسلام والمفاوضات،بوساطة تركية مع إسرائيل بالشروط التي لم يتنازل عنها الرئيس الراحل حافظ الأسد،ورسالة السلام والمفاوضات أرادتها القيادة السورية،لمجابهة الحملة الأميركية الإسرائيلية،عبر صواريخ سكود،التي اخترعتها إسرائيل وعممتها أميركا،وصورتها بأنها تمثل مفتاح الحرب وقرع لطبولها،والتي أظهرت الوقائع كذب هذه الإدعاءات وبلسان إسرائيل،عندما اعترفت إسرائيل بأن المقاومة تمتلك صواريخ اكثر دقة وفعالية وأصغر حجما من صورايخ سكود.
إن التحرك السوري باتجاه تركيا،يمثل جزء من التحضيرات للمستقبل القادم،والذي تحاول سوريا عدم تكرار التجربة التي فرضت عليها،بعد اغتيال الرئيس الحريري عام 2005،حيث تم فرض الحصار على سوريا والمستمر حتى الآن،والتي استطاعت سوريا أن تتجاوزه بالصمود الذاتي،وبالتحالف مع حركات المقاومة والممانعة،ومع إيران،لكن سوريا ترى أنه في لحظة ما،ستعود أميركا للمحاولة الثانية،إما لتطويع النظام أو إسقاطه داخليا،وبقرار ومساعدة منها،ولكن ليس وفق النموذج العراقي الذي فشل(أميركيا)،بحيث لم يبقى العراق،بلدا يمكن قيادته وتسخيره لمواجهة الآخرين،خاصة(إيران وسوريا)،حيث تحول العراق إلى عبء أميركي وعربي،وكذلك إلى ساحة مفتوحة للجوار،ولكل من يريد إرسال الرسائل لغيره ولخصومه،بل انقلب السحر على الساحر،حيث تمكنت إيران وسوريا من استغلال الوجود الأميركي في العراق،كورقة ضغط معاكسة، فبدل أن يهدد الوجود الأميركي،النظامين السوري والإيراني،فقد تحول الجنود الأميركيون إلى أهداف سهلة الأصطياد،مما وفر للإيرانيين خصوصا معادلة الخطر المتبادل والخسارة المتعادلة في أي مواجهة.
وتحسبا للمرحلة القادمة ،والتي ستشكل محطة مفصلية على مستوى المنطقة ومستقبلها الجيوسياسي،بالنسبة للقضية الفلسطينية والدولة الفلسطينية،وكذلك لقيام الشرق الأوسط الجديد أو الكبير،فإن سوريا تحاول أن تحجز مقعدها على طاولة القرار،بدل أن تبقى في صفوف السامعين والمشاهدين والمنفذين،شأن أكثر الدول العربية،التي غيبت عن ساحة القرار والفعل،وحتى لا تتعرض سوريا إلى الحصار وإطباق الخناق عليها،لحظة تقسيم المنطقة من جديد فإنها تحاول فتح النوافذ والأبواب مع جارتها تركيا،حيث أنها تعيش بين فكي كماشة إسرائيلية وأميركية،ويحاصرها الأردن بضغط أميركي،وتحاول أميركا السيطرة على الحدود اللبنانية،وبأي وسيلة بعدما فشلت في مصادرة الساحة اللبنانية،سواء بالعمل العسكري الإسرائيلي عام2006،أو بالإنقلاب السياسي والأمني،باغتيال الحريري،لتعود عبر الاتفاقيات الأمنية والإدارية،والقرار 1559 وملحقاته،والإفتراءات بتهريب السلاح وذلك لوضع قوات دولية على الحدود اللبنانية السورية،بعد ترسيم الحدود(المطلب الساذج)وذلك لإطلاق عملية الحصار الدولي،ولم يبقى أمام سوريا إلا البوابة التركية التي تبقيها متواصلة مع العالم،في حال بدأ الحصار والعقوبات كما حصل مع العراق،قبل غزوه،وكما حصل مع إيران بد الثورة،وكما يستمر الآن بمواجهة الملف النووي .
إن التحرك السوري،والذي أعلنه الرئيس الأسد،عن ولادة الشريط الجيوسياسي من سوريا إلى روسيا،عبر تركيا وإيران ،يمثل قيام تحالف تحكمه معايير دينية وسياسية ووجودية ومصالح مشتركة،ويهدده عدو واحد،فأميركا تمثل العدو الأساس مع فوارق في نسبة العداء والقدرة على التهديد او التنفيذ،والجميع يبحث عن دور ليحمي نفسه،ويؤثر في صناعة القرار الإقليمي،على الأقل(سوريا-إيران-تركيا)وكذلك القرار الدولي روسيا،وتشكل تركيا حلقة الوصل بين هذه الدول،لما تمثله من موقع جغرافي وسطي ،وكذلك من موقع وسطي في السياسة يحكمه متناقضان ظهرا منذ حرب غزة عام 2008،فتركيا المنضوية تحت لواء الحلف الإطلسي مع اميركا وأوروبا،تشن حملة ضد إسرائيل واعمالها الإستطانية والوحشية،وتناصرالقدس والقضية الفلسطينية،وذلك في إستفاقة غير مسبوقة منذ احتلال فلسطين عام 1948،حيث تسعى تركيا للتعويض عن إبعادها عن الاتحاد الأوروبي،بمبادلته بالحضن العربي والأسيوي،وإنطلاق من الروابط الدينية،وكذلك فإن تركيا تسعى لقيادة العالم الإسلامي(السني)،بعدما تراجعت السعودية ومصر عن القيام بهذا الدور،ولا تستطيعان العودة إليه، فلا بد لأميركا وأوروبا،من فتح الطريق لقوة إسلامة غير(باكستان)من تمثيل(الإسلام السياسي)المعتدل بمواجهة(الإسلام السياسي)الثوري ،
بعدما تفلتت الجماعات السلفية،التي اخترعتها أميركا وحلفائها،منذ الحرب الأفغانية-السوفياتية،ولذا لا بد من إعادة العمل المنظم والفاعل،حتى يمكن وفق الخطة الأميركية،إعادة سيناريو الحرب العراقية-الإيرانية بعد انتصار الثورة،والتي انهكت الدولتين،واحتل العراق بنتيجتها،وبدأت أميركا التحضير للسيناريو الجديد،والذي يستبعده اكثر المحللين ،وهو نشوب حرب تركية-إيرانية،تنهك الدولتين الإسلاميتين بدون تدخل من أحد،للقضاء على القوة الإسلامية،الوازنة في الشرق الأوسط،سواء كانت(سنية أم شيعية)فالمطلوب رأس الإسلام السياسي والفكري والاقتصادي،ليبقى المسلمون بصفة مستهلك ومشتري ومنفذ،ولكن هذه الحرب يمكن أن لا تكون بقرار حزب العدالة التركي،ولكن في اللحظة التي تشجع أميركا فيهاالجيش التركي للإنقلاب،لبدء المرحلة الثانية من الخطة الأميركية ضد إيران وسوريا.
إن التحرك السوري يسعى للعب دور الوسيط بين تركيا وإيران،للتكامل والإنسجام،للإستفادة من وحدة القوى،كما يحاول التقريب بين الموقفين العربي والإيراني،لأن سوريا ترى في وحدة وتكامل القوى السورية والإيرانية والتركية،بالتعاون مع حركات المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق،الطريق الوحيد لحفظ الحقوق وعدم تقسيم المنطقة كما حصل في سايكس بيكوـوبشكل اكثر خطورة لمصادر المنطقة ونهب ثرواتها واستعمار الشعوب.