عاشـوراء نـداء للوحـدة والإصـلاح.
د.نسيب حطيط
لكل ثورة زمان ومكان وأنصار ووسيلة، لكن ثورة الإمام الحسين تجاوزت المكان والزمان وتجدد أنصارها وتعددت الوسائل مع ثبات الاهداف وشعار الإصلاح وتثبيت الرسالة.
كانت كربلاء نموذجا مصغرا للأمة الإستشهادية في معركة بين الإسلام الحق بقيادة الإمام الحسين سبط الرسول بمواجهة الإسلام المنحرف والمشوه بقيادة يزيد بن معاوية ، بين الإسلام الحركي الذي تنعكس صلاته وصيامه على شؤن الناس ،ويكون المنبر مرآة لسلوك الشارع والعكس بالعكس، وأن لا يتحول النفاق عبر تناقض الفعل والقول إلى حنكة سياسية تظلم الناس وتصادر حقوقهم ،وتحول الخلافة إلى ملك عقيم، والإسلام إلى حزب سياسي مفرغ يحكم بإسم الله ،لكنه في الحقيقة إسلام الشخص والعشيرة والعائلة.
واستمر الصراع ا بين الجبهتين بين منطق معاوية " لا أدعوكم لكي تحجوا وتصلوا وأنا أعرف أنكم تفعلون ذلك، وإنما دعوتكم لأتأمر عليكم" فالهدف هو السلطة والوسيلة الإسلام المشوه ،وبين منطق أطلقه رسول الله وسار عليه وصيه والأئمة من بعده "والله لو وضعوا الشمس بيميني والقمر بيساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته" بمعنى انهزام السلطة والدنيا أمام الإسلام الخالص لله سبحانه ،لكن المشكلة التاريخية أن قراءة البعض لعاشوراء محاصرة بالمشهد البكائي الحزين مع أهميته لإظهار الفاجعة المجزرة ،لكنها إنتقاص من عاشوراء وتقزيم لأهدافها الفكرية والإجتماعية والسياسية والسلوكية التي برهنت عن مثالية عمادها الإيمان والصدق وإقتران القول بالفعل والموعظة بالتنفيذ.
ونرى الآن أن بعضا ممن يعظون يخالفون ما يقولونه وما يحدثون به، يدعون للتواضع كما فعل الإمام علي والإمام الحسين(ع) لكنهم يختبئون في مجمعاتهم الفاخرة ،يدعون إلى الزهد والعمل لكنهم لا ينتجون، وكأنهم يقبضون ثمن إيمانهم من الناس، وهذا مخالف لأبسط قواعد الإسلام ،وسيرة الأئمة والعلماء السابقين ،فالإمام الخميني عاش في غرفتين من حسينية جماران ، والإمام الصدر اختطف وعائلته تسكن بالإيجار وغيرهم، وصرنا نشهد بعضا من الربى الفكري السلوكي وهذا أخطر ما تتعرض له عاشوراء ممزوجة بالأسطورة والمبالغة التي تستدر البكاء، ويضيع الفكر والهدف مع أن عاشوراء ليست بحاجة للمبالغة ،فلو رواها صادق لايمتلك الصوت الجميل فهي كفيلة بوقائعها الحزينة أن توصل الرسالة حتى إلى قساة القلبكما إنعكس على رئيس الوزراء البريطاني تشرشل او على البعيدين عن ثقافتها والمقاومين للظلم كما جاء على لسان غاندي" تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوما فأنتصر".
وأظهرت مشهدية عاشوراء تكامل السيد والعبد، المرأة والرجل ،الشيخ والطفل الرضيع ،الإمام والمأموم، العائلة والأنصار ،لتقول أن الإصلاح تلزمه وحدة الصف ووحدة الأمة ووحدة الهدف وأن الإصلاح والتغيير لا تنجزه الخطب ، بل يلزمه سيوف وشهداء ، فمن أراد الحياة بعز لا يختبئ في كهوف ثقافة الحياة الذليلة، وها هو الحسين إستشهد مع أمته الإستشهادية وبقي خالدا، بينما سقط يزيد بعد سنوات واختفى بين دفات الكتب وخرائب الشام.
الشهداء لا يموتون ، وعاشوراء مدرسة للعقيدة والإنسانية لصناعة المستقبل العزيز والكريم .
ولهذا كانت كل أرض كربلاء وكل يوم عاشوراء ،ولكل يزيد حسين فإذا ما انتصر الإحتلال إستجمعت عاشوراء أنصارها المقاومين لهزيمته، مع عملائه و تجمع عاشوراء أنصارها لمقاومة الظلم وتحقيق الإصلاح في الأمة ،وعندما ينحرف العالم أو الحاكم تجمع عاشوراء أنصارها لتقول "تبا لمن حول قرابته إلى الرسول وسيلة إرتزاق وزادا لمعيشته" فالقرابة تفرض سلوك الإيمان وحسن سلوك وليست للجاه أو السلطة.
هل ننقذ عاشوراء من أعدائها أولا ومن المغالين والممبالغين فيها أو من المسترزقين والتجار أو بعض الجهلاء .
واجبنا جميعا أن نعيد لعاشوراء نقاوتها وصفائها وحقيقتها ،ليصدق قولنا للإمام الحسين يا ليتنا كنا معك فنفوز فوزا عظيما.