عمــرو موسـى يصــل متأخــرا الى غزة
د.نسيب حطيط
وأخيرا، وصل عمرو موسى إلى غزة، بعد سنوات الحصار الإسرائيلي - العربي،حاملا معه كل حروف الإدانة للحصار والتي لم يستطع أو لم يسمح له بجمعها كلمات وجمل لتتحول أفعالا تكسر الحصار،عمرو موسى ليس فردا بل يمثل النظام العربي الرسمي،بصفته أمينا عاما لجامعة الدول العربية،التي سبقه اليها اردوغان التركي وشهداء أسطول الحرية في البحر المتوسط، للوصول إلى غزة،ووسبقهم اليها أحمدي نجاد الإيراني،مع أول سفارة فلسطينية في العالم بديلا لسفارة اسرائيل عند إنتصار الثورة الإسلامية عام 1979.
لقد نجحت حكومة حماس بفرش السجاد الأحمر أمام عمرو موسى،حتى لا تلامس قدميه أرض غزة المحررة وينال شرف أنه وطأ الأرض المحررة والمقاومة،و تم عزل أقدامه عن ترابها ورملها،بسجاد بلون الدم الفلسطيني الذي أهدره الإحتلال وصفق لهم بعض العرب والفلسطينيين.
لكن السؤال عن (غزوة ) موسى لغزة الآن؟.
لقد صمت عمرو موسى دهرا ولم تتجاوز قدميه معبر رفح،وهو المصري العربي الإسلامي، المقيم في القاهرة ولم يواسي أهل غزة بعد العدوان الإسرائيلي عليها.
لقد فتح شهداء أسطول الحرية،الباب أمام مشروع التسوية الجزئية غير الشاملة أو التسوية المؤقتة لتأمين ما يلي:
- إنقاذ الإدارة الأميركية من مآزق المفاوضات المسدودة الأفق،وهي التي تحاول تأمين الظروف الملائمة لخروجها من العراق،في العام2011 ،لكن ضمن شروط معنوية وميدانية عالية المردود الإستراتيجي .
- إنقاذ إسرائيل من مأزقها الإستراتيجي،على الصعيد العسكري والوجودي،بعدما صار العجز عن المبادرة بالحرب قاعدة أساسية في الفكر الصهيوني،بعد تغير موازين القوى الذي فرضته قوى المقاومة ودول الممانعة.
لذا فإن الإستمرار في الحصار المفروض على غزة،أعطى مفاعيله العكسية،سواء على الساحة الفلسطينية أو العربية،حيث أن الحصار الإسرائيلي،الذي يشكل مساعدة مباشرة لسلطة(عباس-دحلان)،للسيطرة على القضية الفلسطينية،لتقديم التنازلات الفلسطينية المطلوبة إسرائيليا،وتعليب القضية ضمن ما يسمى الحكم الذاتي أو إدارة الشؤون البلدية والمحلية،هذا الحصار الذي لم يستطع تقوية السلطة الفلسطينية المجدد لها،وصارت عبئا على المفاوضات،وعبئا على نظام الإعتدال العربي،وأعطت حماس القوة والمشروعية والإعتراف ، بل وحجزت لها المقعد الأقوى على طاولة المفاوضات،سواء بحضورها وموافقتها أو بغيابها ورفضها للإملاءات.
إن جريمة اسطول الحرية،طرقت أبواب بدء الحوار حول الحصار والتسوية وتحديد الشركاء واللاعبين والأحجام،لأن المنطقة على أبواب مرحلة ولادة جيوسياسية بعد قرن من ترسيمها سياسيا،بما سمي إتفاقية – سايكس-بيكو.
ولأن الإدارة الأميركية تعتمد إستراتيجية الربح الدائم وليس إستراتيجية الوفاء،فإنها اقتنعت أن العرب صاروا جثة سياسية هامدة،نتيجة الضغوط التي مارستها عليهم وسياسة التقييد الدائم، والتبعية المطلقة لأميركا.
ولذا لا بد من التعامل مع حادثة أسطول الحرية بعيدا عن السطحية والإنفعال أو العاطفة،والقراءة الموضوعية،في إطار الوقائع والمخططات،والأهداف، فإن أولى نتائج أسطول الحرية التسليم العربي بالوصاية أو الوكالة التركية عن العرب الضعفاء في تقرير مصير المنطقة،أو ركائز التسوية المقبلة بالشراكة الندية المتكاملة مع إيران على أن يكون رأس المثلث الثالث هو إسرائيل كطرف يفاوض الثنائية التركية-الإيرانية،وهذا ما تنبهت له سوريا قبل سنوات فلم تفسخ شراكتها الإستراتيجية مع إيران منذ إنتصار الثورة مع كل الحصار العربي والأميركي لها والتهديدات،و من ثم تطوير علاقتها بتركيا وبشكل لافت منذ سنوات لحفظ الشراكة العربية في قرار إعادة ترسيم المنطقة سياسيا وكيانيا،بينما يغرق العرب الآخرون في سبات سياسي يتكلون فيه على الحماية الأميركية ويستخدمون كأدوات تنفيذية لنقل الصراع من الجبهة العربية-الإسرائيلية إلى الجبهة العربية-الإيرانية،لإنقاذ إسرائيل من مأزقها الأمني والعسكري مع حركات المقاومة وتخفيف العبء عنها من جهة، والبدء بالتحضير للإنقسام المذهبي على مستوى الأنظمة والشعوب بين الإسلام السياسي السني الذي تمثله تركيا ،والإسلام السياسي الشيعي تمثله إيران،مع الإحتفاظ بالفرع الإسلامي (للسي-آي-آي)،المسمى القاعدة وأخواتها من المنظمات السلفية والتكفيرية المرتبطة عضويا مع المخابرات الأميركية في معظمها، وبعضها الآخر وقع في فخ التضليل العقائدي والسياسي والعاطفي، ويتم إستغلاله بشكل تفصيلي لإشعال الفتنة دون دراية منه بخفايا المخططات الخارجية،اما النتائج الأولية لأسطول الحرية فتتمثل بالتالي:
- إعادة الحوار لمشروع تخفيف الحصار وتشريعه دوليا.
- الإعتراف العربي والعالمي بالدور التركي كشريك إقليمي فاعل في التسوية.
- الإعتراف بعدم هزيمة حماس ،وإفساح المجال لها للإشتراك بالمفاوضات.
- إنهاء وشطب الدور العربي في المنطقة كمنظومة جماعية.
- تثبيت الدور العربي السوري كشريك للثنائية الإيرانية- التركية على مستوى المنطقة.
- الإختبار الأميركي حول إمكانية التفاوض لتأمين الإنسحاب من العراق والبقاء في المنطقة بدون اثمان وخسائر عسكرية وبشرية.
- الضغط الأميركي على إسرائيل بواسطة تركيا(شركاء في الحلف الأطلسي) لتسهيل مهمة الإدارة الأميركية لإنجاز تسوية الحد الأدنى.
إن هذه النتائج دفعت مصر لفتح معبر رفح جزئيا لإستيعاب ردات الفعل العربية والعالمية ضد الحصار،وللنجاة من الإتهام بأنها فتحته تحت الضغط العالمي بعد أن أقفلته بضغط إسرائيلي وأميركي،وذلك لحفظ ماء الوجه السياسي وحجز دور في التسوية القادمة خصوصا المصالحة الفلسطينية،وهذا ما فعله عمرو موسى الذي سارع إلى محاولة قطف الثمار لكن لسان حال اهالي غزة يقول مخاطبا موسى (يرزقك الحج والناس راجعة).
يمكن مراجعة هذا المقال على موقع :www.alnnasib.comm