عولمة مقاومة التكفير حق وواجب
د.نسيب حطيط
إنقسم العالم في القرن الماضي بين جبهتين، الرأسمالية والشيوعية وتم بناء المؤسسات الإقتصادية والعسكرية والبنى الإجتماعية والسلوكية وفقاً لمنظومة القيم لكلا النظريتين ،فظهر حلف الناتو وحلف وارسو والعديد من المؤسسات الإقتصادية والمالية ونشأت الحروب الباردة والساخنة و غاب عن هذه الحروب الصفة الدينية الواضحة بل أخذت الصفة السياسية والإقتصادية والأمنية حتى الغزو السوفياتي إلى أفغانستان حيث اصطنع الأميركيون ما يسمى "القاعدة" أو الأفغان العرب كأول حركة إسلامية مسلحة لمقاومة الغزو السوفياتي والدفاع عن المسلمين كفكرة تنصر الحق ظاهراً من شباب مسلم مندفع ومهمش في بلدانه ومحروم من حقوقه المدنية وبائس من كثرة الهزائم التي منيت بها هذه الأمة ،لكنه للأسف وقع في فخ الخداع الأميركي وتواطؤ الأنظمة حيث استطاع الأميركيون نسج معادلة ذهبية تحقق أهدافها المتعددة دون أي خسارة أميركية مباشرة سواء على المستوى البشري أو المادي بل على العكس تحقق أرباحا عالية:
- قاتل الأميركيون الغزو السوفياتي بواسطة الشباب المسلم الذي لا رؤية إستراتيجية له ، كقطيع هائم يقوده راع مخادع وشرير .
- التخلص من فائض القيمة الجهادية التكفيرية في الدول التابعة لأميركا من مصر إلى السعودية والخليج وغيرها لإراحة هذه الأنظمة وإطالة عمرها بما يتماشى مع المصلحة الأميركية.
- تشكيل قوة عالمية من الجماعات التكفيرية تشابه في وحشيتها محاربي (الفايكنغ) البرابرة (القراصنة) في أوروبا الذين كانوا يضحون بفتاة عذراء من أجل إرضاء الوحش الأسطورة الذي يعتقدون به وها هي الجماعات التكفيرية من داعش والنصرة وبوكو حرام يذبحون ضحاياهم لإكتساب رضى "وحشهم" الراعي لهم المتمثل بأميركا وحلفائها من الوهابية والصهيونية.
يرزح العالم اليوم تحت المنظومة التكفيرية التي انتقلت من الدائرة الوطنية إلى الإقليمية ثم العالمية، للبدء بمرحلة عولمة التكفير الذي بدأت بذورها وتؤتي بعض ثمارها في عمليات مبعثرة هنا وهناك قبل البدء بالموجة الكبرى كما يحصل الآن في العالم العربي.
إن الرأسمالية ترعى وتقود المنظومة التكفيرية العالمية كقوة ردع وغزو مقابل العدو الإفتراضي "الإسلام" ومنع عودة القوة الروسية وحصار القوة الصينية الواعدة والتي تتقدم بثبات للسيطرة على الإقتصاد العالمي وتتهيأ لحماية إنتشارها الإقتصادي بالقوة العسكرية ولذا فإن المنظومة التكفيرية العالمية تشكل الذراع العسكرية والأمنية لزعزعة أعداء أميركا وبتمويل خليجي والمنظومة التكفيرية لا تقتصر على الشباب المنتمي عقائدياً إلى الوهابية التكفيرية بل تضم عشرات الآلاف من المرتزقة المسلمين وغيرهم عبر شركة (بلاك ووتر) وغيرها من الشركات الأمنية التي تعاقدت معها أميركا في العراق وغيرها بعنوان خصخصة الغزو العسكري والذين يقبضون رواتبهم، بالإضافة لما يسرقونه من غنائم وآثار وتجارة من جميع الأنواع .
والسؤال هل تقاتلنا "داعش" وأخواتها من التكفيريين أم تقاتلنا أميركا وإسرائيل وحلفائها والمرتزقة من كل العالم ؟
هل المعركة معركة إسقاط نظام أم إبادة أمة ومحو هوية ؟
هل المحايدون أو المتواطئون والداعمون آمنون من القتل والإنهيار ؟
هل مقاومة التكفير مسؤولية حزبية أو جهوية أو مذهبية أم أنها مسؤولية جماعية ؟
إن مقاومة التكفير تعتمد على استراتيجية "عولمة مقاومة التكفير" لأن التكفير أصبح ظاهرة عالمية وليس محصوراً بين المسلمين ومذاهبهم ،بل يطال الجميع على إختلاف دياناتهم وعقائدهم وجنسياتهم ، فالعولمة حولت العالم إلى قرية صغيرة ينتشر فيها التكفير بشكل تدريجي ،بسبب استخدامه من قبل الأميركيين "كفيروس" شرس أكثر فتكاً من الحرب الجرثومية أو النووية حيث تقوده أميركا وفق ما تريده وتأخذ الجغرافيا والثروات سالمة بعد إسقاطها ،خلاف الجغرافيا التي تحترق بما فيها في الحرب النووية ... التكفيريون هم "القنبلة النووية الذكية" التي تقتل البشر المخالفين لأميركا وتبقي على كل شيء من ثروات ومنشآت وزراعة دون أي ضرر ولذا ،فالمنظومة التكفيرية هي الحرب العالمية الثالثة الطويلة الأمد والواسعة في الجغرافيا وستطال الجميع ولذا لا بد أن يتحمل الجميع مسؤولياتهم لمقاومة التكفير الذي يمكن هزيمته وحصاره الآن بكلفة أقل من المستقبل إذا بادرنا لمواجهته.
لا بد من إطلاق الجبهة العالمية لمقاومة التكفير بكل السبل الثقافية بشكل أساسي لتخفيف المنابع الفكرية والعقائدية للتكفير المتمثل بالمدرسة الوهابية في السعودية والمواجهة الإعلامية والسياسية والإقتصادية والعسكرية والأمنية والإجتماعية.
المعركة مع التكفيريين صعبة وطويلة وباهظة الأثمان ومن ينتظر وصول النار التكفيرية إلى دياره حتى يتحرك يكون أكثر خسارة وعليه التحرك منذ الآن لحصار النار المتوحشة....فلكل بلد "دواعشه" تجمعهم اللغة الواحدة (الذبح والإغتصاب والتدمير) ,