إن غزة تمثل بقعة الضوء السياسي والعسكري في عمق النفق الفلسطيني، الذي تجاوز طوله الستين عاما، منذ نكبة عام1948،والمفارقة أن غزة التي كانت آخر أرض فلسطينية احتلتها إسرائيل بعدما ابتلعت فلسطين في مراحلها الأولى،وبقيت غزة تحت الرعاية المصرية،فها هي غزة تعود لتعلن بداية التصحر السياسي والوجودي لإسرائيل،والتي انسحبت منها تحت وطأة ضربات المقاومة أو للهروب من إظهار الضعف الإسرائيلي بعدما صرح رابين ، أنه يتمنى لويستتيقظ يوما ويرى أن البحر قد ابتلع غزة،لكن غزة الآن تبتلع الغطرسة والغرور الإسرائيلي، وتبتلعالحصار الإسرائيلي والعربي،وتآمرالأخوة، وتحوله بإيمانها وصبرها إلى إرادة مقاومة وصمود من أجل القضية.
ولكن السؤال ...هل أن بقاء غزة يعني بقاء القضية الفلسطينية وسقوط غزة يعني سقوط القضية ..؟بالإضافة إلى اهتزاز وترنح محور المقاومة والممانعة ..؟ إن النتائج تؤكد وتظهر ما يلي:
أولا": إن الموقف الفلسطيني الرافض للتوطين، والمتمسك بحق العودة،أي الإبقاء على منظومة الشعب الفلسطيني الواحد في الداخل والشتاتوالحفاظ على هويته،يتمثل بحركة حماس والفصائل الفلسطينية والقوى المقاومة ،التي لا تتبع للسلطة الفلسطينية أو ما يسمى قوى الاعتدال العربي، وبالتالي فإن سقوط حماس و الأذرع المقاومة ،سينهي القضية الشائكة وهي عودة اللاجئين،وسيلغي القرار الدولي194.
ثانيـا": إن سقوط غزة،سيلغي من الوجدان الفلسطيني فكرة الكفاح المسلح،ونهج المقاومة لاسترداد الحقوق،والاكتفاء بالمفاوضات واللقاءات،التي لم تستطع إزالة حاجز من الضفة الغربية أو تطلق الأسرى،أو تمنع المستوطنين من الاعتداءات وحرق البيوت،ولم تستطع منع توسع الاستيطان،وسيكون سقوط غزة،الضربة القاصمة لمشروع المقاومة العربي .
ثالثـا": إن سقوط غزة،سيعيد للجيش والكيان الإسرائيلي الثقة بقوة الردع الخاصة،ويمحو من ذاكرته ، هزيمة تموز2006 مما يشجعه لاحقا على إعادة التجربة في لبنان عله يقطع الذراع الأخرى الميدانية لمحور المقاومة والممانعة .
رابعـا": إن سقوط غزة،في هذه اللحظة المفصلية على صعيد المنطقة ،حيث يحصد الأميركي فشله،و يتخبط الإسرائيلي المهدد وجوديا، سيعيد الحياة إلى (مشروع الشرق الأوسط الجديد)،حيث سيتخلص الكيان الصهيوني من الشوكة القاتلة في خاصرته الداخلية ليعاود الانقضاض على إيران النووية،وسوريا الممانعة،والمقاومة اللبنانية التي تبقيه مشدود الأعصاب ومستنفرا بشكل دائم ومرهق .
وبالتالي فإن غزة تمثل الآن ( القشة )التي ستقصم وتكسر أحد مشروعين،فإن سقطت غزة،فإن مشروع الممانعة والمقاومة سيخسرركيزة من ركائزه الأربع ،وخصوصياتها الإستراتيجية لوجودها داخل الكيان الصهيوني بحيث يفقد هذا المحور قدرة القتال والإزعاج الداخلي.
أما إذا صمدت غزة ولم تستطع الآلة العسكرية الصهيونية والحصار العربي والدولي هزيمتها،و فرض الشروط عليها، فإن محور ( الشرق الأوسط الجديد) سيحصد فشلا جديدا، بعد فشل تموز2006 في لبنان،حيث ستتعمق فكرة تآكل قوة الردع الإسرائيلية،وتتزعزع ثقة الجمهور الإسرائيلي بجيشه، الذي يمثل المستقبل الآمن لهذه الدولة ،وعندها ستتحفز ( حركة حماس ) ، للانقضاض على الضفة الغربية،للإمساك بالموقف الفلسطيني الداخلي وحسم الازدواجية الميدانية،خاصة بعد انتهاء ولاية الرئيس الفلسطيني محمود عباس ،فتحسم حماس أيضا قضية الازدواجية السياسية والشرعية،حتى لو أيد وزراء الخارجية العرب ( التمديد ) ،غيرالديمقراطي لعباس،والذي يمدد له دون انتخاب من الهيئات الدستورية ،وتحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية .
وهنا لا بد من السؤال المفجع ،كيف وافق العرب والمجتمع الدولي على التمديد لعباس، دون أطر دستورية وبمعارضة فلسطينية وازنة ، فيما اعترض هؤلاء العرب والأطراف الدوليين على التمديد للرئيس اللبناني أميل لحود، والذي جرى التمديد له دستوريا في مجلس النواب اللبناني وكانت حجتهم أنه جرى تحت الضغط والوجود السوري في لبنان.
فهل أصبح الاحتلال الإسرائيلي ( شقيقا) لدول الإعتدال العربي، والوجود السوري احتلالا ،إن هذا يؤكد شيأ واحدا ، أن القانون الدولي يرتكز على قوة المستعمر والمحتل،وأن القرارات الدولية لا ترتبط لا بالحقوق ولا بالعدالة،بل كيف تحمي القاتل المحتل،وتجلد الضحية المسلوبة حقها وأرضها ومستقبلها ،ولذا فإن التقاعس عن نصرة غزة والتي كشفت عورة كل المخادعين باسم الدين،حيث كانوا يحشدون جمهورهم ضد المقاومة في لبنان لأنها ( مسلمة شيعية)، ويحاصرون الآن المقاومة في فلسطين لأنها ( مسلمة سنية) ،الواقع أن هؤلاء ضد الإسلام الحقيقي المجاهد والتحرري،وضد ( السنة و الشيعة ) الرافضين للاحتلال، وهم يصنعون إسلاما مشوها يهدي سيفه للرئيس الأميركي بوش،وإسلاما مشوها ينتج الإنتحاريين ضد أخوته في الدين،ولا يفجر نفسه بالمحتلين في فلسطين والعراق.
لكن غزة ستنتصر ، وستنتصر المقاومة في أمتنا،حتى لو كان الثمن غالبا شهداء وخسائر،لكن الأوطان والكرامة لا تحفظ إلا بالتضحيات،والذلة مكلفة أيضا لكن لا يأنس بها إلا الجبناء، و على كل عربي ومسلم نصرة غزة،لحفظ وطنه وأرضه ودينه ،فإن سقطت غزة، سقطت القدس أولى القبلتين وثالث الحرمين،وإن سقطت القدس ستسقط مكة،ويسقط ديننا ورسالتنا فهل نبقى حياديين؟.