عندما أعطيت فلسطين إلى اليهود، المطرودين من أوروبا بعد المحرقة المزعومة صهيونيا ، بدأت النكبة الفلسطينية ،و بدل ان يدفع –الفاعل ثمن جريمته المفترضة،ارتكب جريمة أخرى، و بدل ان يسلم الانتداب البريطاني فلسطين الى اهلها، كما حصل مع بقية البلاد العربية،تم تسليمها إلى عصابات الهاغانا اليهودية، لإقامة المجازر في القرى الفلسطينية.
وأدخلت فلسطين دائرة الضياع و تشتت شعبها وتحول ، و لم تنفع القرارات الدولية والمؤتمرات العربية، في إرجاع الفلسطيني إلى أرضه، ، ولم يكن هناك وسيلة للعودة الا عن طريق الكفاح المسلح، الذي أعاد للقضية الفلسطينية وهجها الذي توج- بدخول البندقية لساحتها الأصلية و المؤثرة، دون حاجة لإذن عبور للحدود العربية المحيطة، و استطاع الدم الفلسطيني في انتفاضاته المستمرة ،ان يفرض واقعا جديدا على الكيان الإسرائيلي حده الأدنى، ان الفلسطيني لن يقتل أو يجرح أو يؤسر لوحده بعد الآن ،بل ان معادلة القتل ستصيب الإسرائيلي أيضا ،وان بنسب متفاوتة نتيجة عدم توازن القوى.
ولكن الشعب الفلسطيني شأنه شان كل شعب يسعى للتحرر، يتعرض للفتنة الداخلية ليتناحر من بقي حيا او طليقا مع بعضه البعض، بعدما امتلأت السجون الاسرائيلية بأكثر من 11ألف أسير فلسطيني ،و بدل ان تتوحد البنادق باتجاه الاحتلال،فإنها تلغي بعضها البعض ،عندما تحفر الخنادق بين معتدلين و مقاومين،بين سلطة ضعيفة مشلولة و بين حكومة مقالة ،بين من يؤمن بالحل السلمي و التفاوض غير المجدي و بين من يرى الحل في طلقات البنادق.
لكن النتيجة ان الفتنة الفلسطينية –الفلسطينية التي تعود من جديد بعد التهدئة الطبيعية بين السلطة و الاحتلال،والتهدئة بين حماس والإحتلال ، و كأن الهدنة المفروضة على الطرفين الفلسطينيين سواء بالقناعة للسلطة او بالقوة على حماس ،لالتقاط الأنفاس ،بعد الحصار العربي و الاسرائيلي لقطاع غزة، هي تحضير للفتنة االفلسطينية ،التي تتزعمها فتح و حماس، لتسلب الفلسطيني كرامة الشهادة ضد الاحتلال، و تجعله ضحية عدم القدرة على إدارة الخلاف او المساكنة السياسية بين السلطة و المقاومة،و بدل التكامل بين السلطة و المقاومة بحضانة الإرادة الشعبية الفلسطينية,
ولاشك ان التجربة الفلسطينية هي نسخة مكررة عما يجري في لبنان منذ ثلاث سنوات ،و نسخة مكررة أيضا من التجربة العراقية بين الحكومة و فصائل المقاومة الحقيقية ضد الاحتلال الأميركي، وكذلك عما يجري في السودان ،و في الوقت الذي يتقاتل فيه الفلسطينيون، و يقتلون أنفسهم والقضية نرى ان جدار الفصل العنصري الاسرائيلي يحاصر الأراضي الفلسطينية مع شعبها ، ليتكامل مع جدار آخر،
كان امنيا و اقتصاديا و الظاهر انه سيتحول إلى جدار من الاسمنت الحقيقي بين قطاع غزة و مصر العربية، و يصبح الفلسطيني بين جدارين، يعيش "الدوخة السياسية" فيتصادم مع اخوته و رفاقه،و يصبح الاسرائيلي منقذا للفلسطيني من براثن أخيه ،ليقدم للاسرائيلي خدمة مجانية تمحو مجازره و تعطيه المبرر للقتل و الحصار،لان القتال الفلسطيني يعلن للعالم، ان هذا الشعب ليس جديرا بالاستقلال او الحكم الذاتي او إدارة شؤونه ،
و السلطة الفلسطينية المفترضة تقوم على الأجهزة الأمنية و العسكرية ،التي لا تعد ولا تحصى، وكل ما تأخذه من مساعدات عربية او دولية، تصرفه على الرواتب ، وبالتالي تتحول السلطة الى منظمة مسلحة لاتستطيع توفير رواتب مسلحيها و تضطر ان تنفذ ما يطلبه منها المانحون الدوليون، وهو تأمين ألأمن الاسرائيلي من خلال الامساك بالقرار الفلسطيني الذي يلغي المقاومة المسلحة ،و يتلهى بانتخابات تشريعية ، فان لم تعجب نتائجها الراعي الاميركي و الاسرائيلي، فان الرئيس يلغي خيار الشعب و صوته ، فالديمقراطية الفلسطينية صوتت للمقاومة، فعوقبت بالحصار و الفتنة.... فهل سيستطيع الفلسطينيون سلطة و مقاومة،بالتعاون مع الفصائل الشريكة في القضية ،ان يؤجلوا خلافاتهم و طموحاتهم الى مراحل لاحقة، لتكون اولى مراحلها توحيد الجهود لتحرير الأرض و استعادة الحقوق ،و بعدما يتم طرد الاحتلال و تأسيس الدولة الفلسطينية المستقلة ، ساعتئذ، فليتناحر الطامحون لاستلام سلطة حقيقية، بدل الصراع على الوهم السلطوي خاصة أننا في عصر، نفتقد فيه وحدة، الأمة،و في زمن شعاره السياسي "ما حك جلدك غير ظفرك"
وفي الوقت الذي يتخبط فيه كل بلد عربي و إسلامي في الفتن الداخلية، او الإحتلال الخارجي ،و يلاحق الرؤساء واحدا تلو الأخر، اما بالإعدام شنقا ،أو بالمحاكم الدولبة او الانقلابات المدبرة ، فعندما يفقد الحاكم وظيفته و يصبح عبئا على أسياده،يعطى " حقنة ديمقراطية أو "جرعة غزو عسكري "او لائحة إتهام " تدفعه إلى مصيره المرسوم ،و هو الإقالة و في أكثر ألأحيان...و بغير شرف.
أيها الأخوة الفلسطينيون لقد وصلتم إلى مشارف تحقيق بعض من أحلام أبائكم ،قبل ستين عاما، وهم يفرون من المجازر،كانوا يحلمون بالعودة الى الديار،وقد عاد بعضكم أو استطاع البقاء، ... فلماذا تقتلون الحلم والقضية ، بدل أن تفرضوا حق العودة،و تحرروا القدس الشريف...؟