لقد شكلت قمة دمشق الرباعية معقلا سياسيا على مستوى إعادة بناء المشهد السياسي في منطقة الشرق الأوسط،حيث أن المشاركين فيها بألقابهم التمثيلية كرئيس للقمة العربية ورئيس الإتحاد الأوروبي(قطر)وكوسيط بديل عن الوساطات العربية والذي خط الاتصال المقبول بين الإدارة الأميركية و(قوى الشر)المقدمة أميركيا والوسيط التركي قناة الاتصال الإسرائيلي السوري بديل على أن الشرق الأوسط الجديد الآن غير الشرق الأوسط الذي كانت تحاول أميركا وإسرائيل صناعته في تموز2006.
فالشرق الأوسط المز إقامته آنذاك لم يكن للنظام في سوريا وجود على خريطته ولم يكن للمقاومة اللبنانية صوت في مجالس المفاوضين،ولم تك أميركا بحاجة إلى وسطاء لتحرير خططها أو للتقليل من خسائرها ولم تك إسرائيل بحاجة إلى مفاوضات للسلام مع سوريا(الداعم للإرهاب)في لبنان وفلسطين،والصورة اللامعة للحضور البريطاني الشريك الشكلي للإدارة الأميركية،ليحل محله الدينامو الفرنسي ساركوزي الذي حتى الآن القفز على العصا الطويلة باتجاه المغرب العربي اقتصاديا وسياسيا ليطلق المشروع المتوسطي لأن إسرائيل هي العقبة بذلك لدخول النافذة الخلفية للعالم العربي وقفز للوساطة بين جورجيا وروسيا لأن أميركا هي الطرف الخفي والمباشر في آن في هذا النزاع وها هو يقفز مجددا بما يناقض القفز السياسي لسلفه باتجاه سوريا التي أغلق شيراك النوافذ والأبواب لتأمين عزلها ليأتي ساركوزي ليكسر قواعد الحصار مقابل أثمان سياسية واقتصادية بعضها بتحقيق انفراجات في لبنان وإقامة علاقات دبلوماسية معه.
لكن السؤال المطروح؟!.
لماذا انفتحت أميركا عبر قناة مثلت المواصفات بما يمثل من(إسلام علماني)وجار لسوريا تربطه بها علاقات اقتصادية وجغرافية وجيوسياسية وهي العضو في الناتو،وقطر البلد العربي الخليجي الذي يمسك بالعروبة والمال البديل للمال السعودي أو غيره،وساركوزي الأوروبي ليمثلوا رفع الحصار وفك العزلة عن سوريا،وكأن الإدارة الأميركية قد استبدلت حلفائها العرب المعتدلين والذين ورطتهم في حصار سوريا وعزلها خاصة مصر والسعودية فلم تستأذنهم بتنفيذ الخطة البديلة للانفتاح للحفاظ على مصالحها، وبالتالي فإن سياسة العصا والترهيب ضد سوريا من المحكمة الدولية إلى إسقاط النظام إلى استخدام السلاح الداخلي بما سمي المعارضة السورية وعلى رأسها عبد الحليم خدام الذي استخدم بنفس الشروط والمواصفات بالاستخدام زهير الصديق للإطباق على النظام السوري من تحته ومن فوقه لكنه سيصل إلى نهاية الصديق الذي طردته فرنسا خدام عن طريقه للخروج لعدم إحراج ساركوزي أو إضعاف مطالبة من سوريا خاصة وأن الرئيس الأسد قد صرح علانية أن سوريا ليست منهج الهدايا المجانية بل نهج لتحقيق المصالح وحفظ الحقوق الوطنية.
ولذا فإن قمة دمشق قد أسست لدور سوري-قطري بديل عن دور الثنائي المصري-السعودي،بعدما الأميركيون خطة الكسر المنظم والتصاعدي،فاتجهوا للخطة البديلة بالإغراءات والوعود والتلميح الدبلوماسي لسوريا لتحقيق الأهداف التالية:
1- استخدام النفوذ السوري لحصار المقاومة في لبنان بعد عجز قوة الردع الإسرائيلية عن تحقيق ذلك ماضيا وحاضرا.
2- استغلال النفوذ السوري على حركة حماس والجهاد بشكل خاص لتمرير الخطة الإسرائيلية الأميركية في فلسطين الممثلة بالسلطة الفلسطينية الضعيفة.
3- تخفيف الضغط عن الاحتلال الأميركي في العراق في فترة الانتخابات الأميركية في الوقت الضائع الذي يكون فيه الإدارة الأميركية مشلولة القرار،ولعدم خسارة الجمهوريين الانتخابات تحت وطأة الخسائر البشرية.
4- إقامة حوار جانبي مع إيران بواسطة حليفها السوري بعدما عجزت أميركا عن منع إيران من مواصلة ملفها النووي.
5- منع سوريا من تقديم الدعم لروسيا في البحر المتوسط من خلال تقديم القواعد البحرية خاصة مما يهدد المثلث الأميركي الفرنسي الإسرائيلي في المتوسط ويفتح نافذة للأسطول الروسي البحر الأسود في أوكرانيا.
وقد تسارعت عملية(القمة)السياسي لسوريا بعد الصفعة القاسية التي وجهها الروس للخطة الأميركية في جورجيا الهادفة إلى إطباق الحصار على إيران والبدء بزعزعة وحدة الكيان الروسي،وبعدما سقط المشروع الأميركي في لبنان سواء بإنهاء المقاومة أو تأسيس سلطة تابعة،لتأمين الأمن على الحدود الشمالية لإسرائيل ليتفرغ عندها الكيان الصهيوني لمهام الجديدة خارج حدوده كما حصل في جورجيا أو كما يهدد ضد إيران،وبعدما حماس من الحصار العربي والإسرائيلي ولا زالت على قيد الحياة،فقد أنجر الأميركيون إلى سياسة(الخداع)و(الاحتواء)القاتل لسوريا لأنها تمثل حلقة الوصل بين جهات المقاومة الأربع في فلسطين ولبنان والعراق وإيران،فإذا ما تم تجنيدها أو ضمها للمحور الآخر فإن الاتصال والدعم والترابط بين هذه الساحات يلغى،وتستقر وهذه الساحات واحدة بعد الأخرى وعند سقوطها جميعا،تفرض شروط والاستسلام على السوريين فإما أن تقبلوا ليصبحوا من التابعين الذين يمكن الاستغناء عنهم في أي لحظة لا تتأمن فيها المصالح الأميركية كما حصل مع برويز مشرف وغيره،وإما يسقطوا بالضربة القاضية بعد خسارة الحلفاء هل أن سوريا من السياسية وعدم الالتزام بالمبادئ كي تسقط في فخ الخداع الأميركي الوقائع الماضية وسلوك من سبق لا تدل على ذلك وستسقط المراهنات الخاطئة،وتستطيع سوريا مع حلفائها إدارة اللعبة بذكاء وتعليل طالما أن الثقة بين الحلفاء ولا يمكن زعزعتها بإشاعة أو تهديد أو بإغراءات.