بعد الإحتلال الأميركي للعراق إنقسمت مواقف المراقبين إلى قسمين فالبعض انتقد عدم مبادرة الشيعة بمقاومة الإحتلال الأميركي واتهمهم بالتعاون,من خلال القيادة السياسية والدينية{الحوزة العلمية},وبعضهم الآخر أنتقد تأخر الشيعة في المشاركة بالمقاومة أو على الأقل ضعف المشاركة،بينما التزمت القيادة الشيعية في العراق إما بالصمت أوموقفها ,بأن مقاومتها تسلك الطريق السياسي من خلال بناء الدولة العراقية بأجهزتها المختلفة خاصة الأمنية وأساسها الجيش للإستغناء عن قوات الإحتلال الأميركي في حفظ الأمن,مع التحفظ على هذا الدور الذي لم ينجح في نشر الأمن أو أنه ساهم وخطط في الفوضى الأمنية,لإلهاء العراقيين عن وجوده وجعله هامشياٌ,أو تحويل الإحتلال إلى مطلب عراقي وحاجة شعبية وأقليمية لإضفاء المشروعية عليه وتغطية أعماله وتبرئته من كل أفعاله الدموية.والأهم من ذلك إخفاء الأهداف الرئيسية لهذا الإحتلال وفي مقدمتها السيطرة على النفط العراقي لحجمهالعالمي,والسيطرة الإضافية على نفط المنطقة بعدما تحولت أميركا إلى دولة أقليمية.وللإضاءة على مبررات تأخر إنطلاقة المقاومة عند الشيعة في العراق حيث أظهرت مدى التناقض على مستوى المبدئية السياسية المستندة على العقيدة في حالتين متناقضتين من حيث الموقف,مع أنهما يشتركان في المسألة العقائدية,ويتماثلان في الجغرافيا ويواجهان عدواٌ واحداٌ,بوجهيه, الإسرائيلي في لبنان والأميركي في العراق. فكيف يمكن فهم الموقف الشيعي المقاوم بشراسة في لبنان ضد الإحتلال الإسرائيلي وإلى جانبه الموقف الشيعي(المهادن)في العراق ضد الإحتلال الأميركي مما طرح تساؤلاٌ خطيراٌ حول دوافع المقاومة.هل هي المصلحة السياسية..؟أم الموقف العقائدي.. وأخذ الاتهام بالمصلحة السياسية يتقدم على الموقف العقائدي مما شكل خطورة كبيرة,لأنه يجرد المقاومة من مبادئها ويجعلها. عرضة للمساومة وفق الموازين المادية ويسلب منها قيمها الأخلاقية والدينية .ولذا لا بد من إستقراء الظروف التي جعلت المقاومة {الشيعية}في العراق تتأخر حتى شهر محرم هذا العام.إن أي مقاومة لا بد أن تتوافر لها عدة عناصر تتكامل مع بعضها لتشكل(فكرة نظرية)هي وجوب المقاومة وبعد تأمين الوسائل البشرية والعسكرية خاصة فتنتقل إلى التنفيذ الميداني لتصبح المقاومة فاعلة ومؤثرة.وأهم هذه العناصر وفي مقدمتها الفكر العقائدي كقاعدة انطلاق,والعنصر البشري {مقاومون مدربون},والعنصر المادي {أسلحة..},ولدراسة هذه المكونات العراقيةومدى توفر هذه المرتكزات:
الفكـــر العقائــدي:وهو الاسلام وفق الفهم والرؤيا الشيعية مع خصوصية المنهج الحسيني في مقاومة الظلم والانحراف وهذامايظهر بأصالته في العراق من خلال الحوزة العلمية التي تتولى تدريس العلماء ونشرهم في العالم للقيام بدورهم الديني والسياسي .
١ -القيـــادة الدينيــة: إن المرجعية الدينية في النجف والتي تعرضت للحصار والقتل والتضييق على مدى ثلاثين عاماٌ,كان همها الأساسي في مرحلة(صدام)حفظ ديمومة الحوزة بالحد الأدنى على المستوى التعليمي,حتى لا تقفل أبوابها خاصة بعد إعدام المرجع الشهيد محمد باقر الصدر وسجن العلماء وتهجير آخرين,فابتعدت المرجعية عن ممارسة السياسة المباشرة واتجهت نحو السياسة بالمفاهيم الأخلاقية والسلوكية وطبعاٌ لم ترعى العمل العسكري نتيجة الظروف المحيطة,وبعد سقوط نظام صدام وقدوم الإحتلال الأميركي وجدت نفسها وجهاٌ لوجه مع العمل السياسي والعسكري على مستوى عالمي دون أن تكون مهيأة لذلك فاثرت استيعاب الحدث للتبصر وفهم الواقع دون تصادم مباشر لكن دون تأييد مباشر أو استكانة تنفيذاٌ للحكم الشرعي.
٢-القيــة السياسيـــة:إن القيادة السياسية التي يشكل المنفيون والمهاجرون والمهجرون عمادها الأساسي,لا تمتلك الخبرة الميدانية الكافية لإستلام نظام الحكم,خاصة في ظل الإحتلال ,بل أن بعضها لم يصدق أن النظام قد رحل في اللحظات الأولى،والمشكلة الأخرى أن القيادة السياسية{الشيعية}غير موحدة لا على مستوى القيادة ولا على مستوى الأطر التنظيمية ولا على مستوى المرجعية الدينية خاصة وأنه تاريخياٌ يتميز العراقيون بالتشتت وعدم التوحد مما أحدث تخبطاسياسياٌوصل إلى حد التناقض .
٣-العنصــر البشــري:إن تحويل المواطن-الإنسان إلى مقاوم محترف يحتاج إلى تعبئةفكرية وسياسية وتدريب ميداني,و أن يكون من فئة عمرية تجاور العشرين عاماٌ صعوداٌ أو نزولاٌ وهذه هي المشكلة في العراق حيث أن الشباب العراقي في ظل النظام السابق قد توزع على عدة مجموعات.
أ-الشباب ةالذي قتل في المعارك مع إيران طوال ثماني سنوات وفي المعارك عند إحتلال الكويت وعاصفة الصحراء وأخيراٌ في الإجتياح الأميركي الأخير(أكثر من مليون عسكري).
ب-الشباب المعتقل في سجون النظام والذي يبلغ عشرات الالاف .
ج-الشباب المفقود في المقاير الجماعية التي تغطي أرض العراق(مئات ألألاف).
د-الشباب في المنفى والذي تجاوزعدده مع عائلاته الأربعة ملايين نسمة والذي عاد إلى العراق غريباٌ يحتاج إلى وقت لإعادة فهم الواقع والإنسجام معه.
هـ-الشباب الذي بقي في العراق مسلوباٌ من إرادته يقيده الخوف,وتحول إلى آلة بشرية معزولة عن العالم ومحاصرة من النظام مما عطل قدرته للقيام بأي شيء.وبالتالي فإن اعداد وتأهيل{مقاومين}عراقيين لا يمكن تأمينه من هذه المجموعات,وإذا تأمن سيكون محدودا,وبالتالي لا بد من العمل مع الشباب اليافع في عمر الـ خمسة عشر عاما وما دون, الذين لم تصادر ارادتهم بالإرهاب والخوف من النظام, لأنهم لم يعايشوا ذلك بوعي كامل.وبالتالي فإنه لا بد من ثلاث سنوات على الأقل لتأهيل وتدريب هذا الجيل ورفعه إلى مستوى المعرفة مع الخارج,لإحداث التوازن النفسي والعقلي والمعرفي والسلوكي لتسهيل معرفة عدوه وإقلاقه وإزعاجه في المرحلة الأولى وعدم الإستقرار والأمان في المرحلة الثانيةو الإنتصار عليه في النهاية وهذا ما بدأ يظهر في العراق .
۵-الســلاح:فإنه متوفر بشكل كبير في العراق بعد إنهيار الجيش العراقي وتوزع ترسانته الضخمة, وإمكانية تأمين السلاح الحديث من الخارج نظراٌ للحدود المفتوحة.وبعد مرور حوالي ثلاث سنوات على الإحتلال الأميركي في العراق فقد استطاع العراقيون الشيعة من بناء(مقاومتهم)الفكرية والإجتماعية والسياسية والميدانية بشكل يستطيع بدء المواجهة مع الإحتلال بعيداٌ عن الإنفعال أو الإنتحار,إنما يهدف الإنتصار وعملوا على تأسيس ما يلي:
أولاٌ: توحيد الموقف السياسي للمرجعية الدينية من خلال تأييد المراجع الدينيةفي النجف للمرجع الأعلى السيد علي السيستاني لتوحيد القرار السياسي للمرجعية الدينية.
ثانيــاٌ: قبول الأحزاب والتيارات السياسية الشيعية لتوجيهات وفتاوى المرجعية الدينية في المفاصل الأساسية في العملية السياسية.
ثالثــاٌ:توحيد الموقف السياسي الشيعي خاصة في الإنتخابات التشريعية عبر(الإئتلاف العراقي الموحد) لضمان وحدة الموقف الشيعي في بناء النظام والمؤسسات الدستورية والأمنية والأدارية.
رابعــاٌ: بناء شبكة إعلامية تلفزيونية فضائية مع الصحف والمجلات لبث الواقع العراقي الموقف السياسي
خامســاٌ: معالجة الوضع الإجتماعي للأسر العراقية التي فقدت أبنائها وأزواجها مما سبب خللاٌ كبيراٌ في المجتمع العراقي مع أن هذه المعالجة لم تعط ثمارها المطلوبة نتيجة تفاقم الوضع الأمني الذي يحصد مائة قتيل يومياٌ مما يزيد العبء الإجتماعي والرعائي على القيادة الدينية والسياسية والأهلية لمعالجة هذه المشاكل الإجتماعية.
سادســاٌ:تأهيل جيل الـ 15عاماٌ ورعاية إنتقاله من عزلته وحصاره إلى دائرة الضوء الإعلامي والمعرفي والسلوكي بهدوء وتعبئته عقائديا وعسكريا للبدء في مرحلة المقاومة المحتومة دينيا ووطنياٌ.وبعد توفر هذه المعطيات بحدها الأدنى وبعد المدد المعنوي الذي استطاعت المقاومة في لبنان توفيره من خلال الصمود أمام العدو الإسرائيلي وهزيمته, وبعد صمود المقاومة في فلسطين تأمن الحافز المعنوي لإنطلاقة المقاومة الشيعية ضد الإحتلال في العراق مع بداية محرم لهذا العام والتي ظهرت بعض بوادرها الأولية في خسائر الجيش الأميركي والتي يمكن أن تحمل الأسابيع المقبلة تناميا متصاعداٌ, لها من خلال العمل التنظيمي الحزبي او العمل الفردي الموضعي في المناطق خاصة بعدما تخلص العراقيون من كابوس نفسي كبير هو(عودة صدام)الذي كان يقيد البعض في العراق خوفاٌ من إعادة إستخدامه أميركياٌ.
فهل تنجح المقاومة في العراق في إخراج المحتل،أم أنها تبدأ في منع الفتنة المذهبية،الإتجاه الأمثل هو ضرب رأس الأفعى مباشرة وهو الإحتلال الأميركي لمنع الفتنة في العراق ليبقى موحداٌ ويعود إلى محيطه العربي والإسلامي.