ليبيا من الديكتاتورية إلى الفوضى والتقسيم
د.نسيب حطيط
نزف التاريخ الليبي سيلاً من دماء مواطنيه منذ الإحتلال العثماني للأراضي الليبية حيث قتل ما بين عامي ( 1835 – 1910) ما يوازي ثلث سكان ليبيا من قبل القوات العثمانية لينتقل الشعب الليبي إلى ساحة قتل ثانية إبان الإحتلال الإيطالي بين( 1911 – 1941) حيت قتل أكثر من 500 ألف شهيد بالإضافة إلى عشرات آلاف المنفيين إلى الخارج وعند هجوم الحلفاء على ليبيا ضد التحالف الإلماني -الإيطالي سقطت أكثر من عشرين ألف ضحية ليبية ،حيث تؤكد الوقائع التاريخية أن أكثر من نصف سكان ليبيا قد قتلوا ما بين العامين (1835 – 1942) أي خلال مائة عام .
لقد بدأ الغزو الإيطالي بحجة تحرير الشعب الليبي من الإحتلال العثماني وحرب الحلفاء بحجة تحرير ليبيا من الإستعمار الإيطالي وصولاً إلى الإنقلاب العسكري بقيادة الديكتاتور القذافي على الملك السنوسي بحجة تحرير ليبيا من الملكية الوراثية المستبدة، وبدأت عملية القتل المنظمة للشعب الليبي بالتزامن مع إخفاء وسجن المعارضين وهروب البعض أو نفيهم إلى الخارج ومصادرة ليبيا لعائلة القذافي بل لهوسه وجنونه، فحكم أكثر من أربعين عاماً وأستمرت طاحونة القتل الليبي حتى جاء ما سمي (بالربيع العربي )والثورة الليبية بقيادة "قطر" وحلف الناتو بحجة تحرير الشعب الليبي من ديكتاتورية القذافي الذي أغدق الرشوات المالية والإنتخابية للرئيس الفرنسي ساركوزي والإيطاليين والبريطانيين وغيرهم الذين أنقلبوا عليه فكانت النتيجة تعميم الفوضى القاتلة في ليبيا ...
لقد سقط القذافي وعائلته لكن السؤال هل تم بناء الحكم البديل ؟ وهل ولدت المؤسسات الناظمة للحكم وهل ظهرت بشائر إقامة الدولة أو الحكم الديمقراطي في ليبيا؟ بعدما يقارب السنتين على قتل القذافي وإسقاطه وما هي نتائج الثورة حتى الآن :
- عودة الإستعمار الغربي إلى ليبيا بعد حوالي ستين عاماً على خروجه العلني والمباشر لكنه عاد الآن بطلب من الليبيين وآيات الشكر والإمتنان !
- ضياع الثورة الليبية والأرصدة المالية للقذافي في البنوك الغربية وسرقة أموال النفط من الثوار الجدد القادة الأغنياء بإسم الثوار الفقراء !
- العودة إلى نظام إتحاد القبائل الليبية في تشكيل الجيش النظامي وتقاسم السلطة مع ولادة المليشيات المسلحة التي نبت بعضها مع الثورة والتي استولد بعضها الآخر ليمثل دولاً خارجية تريد المشاركة في الحكم الجديد ثمناً لمساعدتها وتدخلها في إسقاط القذافي.
- البدء بمشروع تقسيم ليبيا بين ثلاث أو خمس أقاليم ضمن فدرالية شكلية وكان أول الغيث إعلان ولادة "إقليم برقة" على الساحل الليبي وعاصمته بنغازي المسماة عاصمة الثورة والذي يحتوي على أكثر من 70 % من إحتياط النفط الليبي مما يعني أن الثورة قد أنتهت فعاصمة الثورة إنفصلت، وأموال الثورة صودرت... فماذا بقي من الثورة في طرابلس الغرب !
- تحولت ليبيا إلى بلد خارج القانون والمراقبة حيث شكلت سوقاً مفتوحاً للسلاح إلى دول الجوار ونقطة إنطلاق لجماعات الإرهاب والتكفير في كل الإتجاهات سواء في الجزائر وتونس ومصر ومالي والعمق الأفريقي وتجاوزت حدودها لتصل جماعاتها التكفيرية لخدمة المشروع الأميركي إلى سوريا عبر الجسر التركي- القطري لإسقاط النظام وإستباحة سوريا مع حق الفيتو السياسي والأمني والشرعي في ليبيا.
- لا تزال كل ملفات القذافي الإجرامية سواء قضية إختطاف الإمام موسى الصدر ورفيقيه أو إغتيال المعارضين الليبيين أو مجزرة سجن أبو سليم والمفقودين الليبيين والأرصدة المالية وجرائم التنكيل في ليبيابدون حلول او كشف للحقائق ، ولم تستطع الثورة الجديدة أو ممنوع عليها من أسيادها وأولياء أمورها الغربيين والعرب من كشف هذه الملفات لعدم إنكشاف شراكتهم ومسؤوليتهم عنها.
الربيع الليبي لم يزهر في ليبيا وتحول حريقاً لاهباً لحرق ما تبقى ...لتدخل ليبيا في مشروع التقسيم الأميركي وفق الشرق الأوسط الكبير والجديد على خطى السودان والعراق وما يخطط لسوريا ومصر.
لم يعرف الشعب الليبي الطيب والمجاهد إلا المرارة والحزن والأسى وهو يتنقل من يد قاتل إلى يد قاتل جديد، تتغير أسماء القتلة من سلطنة عثمانية إلى إستعمار إيطالي إلى ملكية سنوسية إلى ثورة حماهيرية خادعة إلى ثورة ديمقراطية مشبوهة الأهدداف وتبقى أنهار الدم تسيل في الصحراء الليبية التي يسكت عنها المثقفون العرب والأحزاب التقدمية واليسارية وكذلك الإعلاميون لأن أموال القذافي قد ملأت أفواههم وجيوبهم وبدلت حبر أقلامهم فكتبوا أو مجدوا وفبركوا وصدحوا مديحاً للقائد الجماهيري ...وعندما سقط هربوا بأموالهم وبعضهم تجرأ وجلد القذافي منتقداً إجرامه وديكتاتوريته !
ليبيا في مسيرة الضياع تهيم في صحرائها ... تنتظر "مختارها" الجديد الصادق ليحررها من نفسها وعقوق أبنائها ولصوص ثورتها ورعاتها الغربيين والعرب لتعود إلى أهلها وتحمي ثروتها لأجيالها القادمة بعيداً عن النهب والتقسيم. حمى الله ليبيا وشعبها من حماتها الجدد أمراء ومستعمرين ! !