ليبيا من القذافي إلى الوحش الإستعماري
د،نسيب حطيط
سقط فرعون ليبيا "معمر القذافي" برصاص فرنسي خوفاً من فضيحة ساركوزي والدعم المالي لحملته الإنتخابية... فرح الليبيون لأنهم هدموا "الهيكل" المتوحش الذي حكمهم أكثر من أربعين عاماً وفتحوا بوابات السجون وحاولوا الخروج من السجن الكبير المسمى "الجماهيرية" لكنهم كما شعوب "الربيع العربي" الخادع وقعوا ضحية مؤامرة دولية وأقليمية وطموحات الأخوان والقاعدة، فاشتعلت ليبيا منذ أربع سنوات ولم تنطفئ... لم يبق في ليبيا مدينة أو مصنع أو خزان نفط إلا وحاصرته المعارك من أجل السيطرة عليه للوصول إلى الحكم وتحولت ليبيا من بلد واحد إلى أقاليم متعددة ومدن وقبائل وشخصيات طامحة والصراع على النفط والسلطة ولكن وفق معادلة من يربح النفط يأخذ مفاتيح السلطة، لكن الغرب بقيادة أميركا لا تهمه الحرية والديمقراطية... المهم أن يكون الحاكم الليبي كما حكام الخليج "ناطوراً" للنفط وليس مالكاً له، فالنفط ليس ملكا للشعب الليبي بل ملك أميركا وحلفائها الغربيين والحاكم "مندوب" يحمل الجنسية الليبية وينفذ المشروع الأميركي تماماً كما تجربة أمراء وملوك الخليج.
لقد أشعلت أميركا وقطر وتركيا النار في ليبيا من أجل الشعب الليبي كشعار خادع... لكنهم بعد سقوط القذافي ومساعديه اشعلوا النار بين الثوار لإنهاك وتفكيك ليبيا، ليسهل السيطرة عليها وذلك ضمن أربعة مراحل كالتالي:
- استغلال مشاعر وحقوق الشعب الليبي المسلوبة وتحفيزه للتظاهر وإسقاط القذافي نتيجة ظلمه وديكتاتوريته المطلقة.
- إشعال الفتنة بين المكونات والقوى السياسية والقبلية والجهوية في ليبيا لتفكيك ليبيا وتعميم اليأس والإستعانة حتى بالشيطان الأميركي لإنقاذ ليبيا من القتل والفلتان.
- تشكيل تحالف دولي شبيه بالتحالف الذي أعلن بعد غزو الكويت لضرب العراق (وكان الأميركيون هم الذين شجعوا صدام حسين على الغزو عبر السفيرة غلاسبي التي اختفت) وكانت النتيجة إحتلال العراق وإشعال الفتنة المذهبية والقومية التي لم تنطفئ بعد.
- السيطرة على ليبيا عبر التدخل الدولي والأقليمي (مصر) ووضع ليبيا تحت الوصاية الدولية ومصادرة ثرواتها النفطية مباشرة وتأمين قاعدة عسكرية مركزية للقوى الأميركية في قارة أفريقيا وبالقرب من مضيق جبل طارق على ساحل البحر المتوسط.
لقد بدأت إرهاصات التدخل الخارجي في ليبيا عبر التدخل المصري المنتظر والذي تم التمهيد له بإيعاز أميركي للقوى التكفيرية خاصة "داعش" بخطف العمال الإقباط المصريين في ليبيا وذلك لفتح الأبواب أمام الجيش المصري لإنقاذ مواطنيه وحماية الحدود الليبية المصرية ولإعطاء الذريعة لأميركا وحلف الناتو بالتدخل لمنع سيطرة التكفيريين على الساحل الليبي القريب من السواحل الأوروبية وقد دعت فرنسا وزير الدفاع إلى تحرك دولي لمنع قيام ملاذ إرهابي في المحيط المباشر للقارة الأوروبية ! بالإضافة إلى ذلك طلبت فرنسا من دول الجوار لليبيا التدخل وفي مقدمتهم الجزائر.
لقد أرسلت أميركا اللواء حفتر بالنيابة عنها للإستيلاء على السلطة وخوض المعارك بديلاً عن التحالف الدولي خاصة الغربي وتمده بكل أنواع المساعدة وتقدم اللواء حفتر بخطوة متقدمة عندما أعلن رئيس الحكومة الليبية عبالله الثني عن نيته بإعادة اللواء حفتر إلى الخدمة العسكرية كي يعطيه الحصانة الرسمية والشراكة في القرار ثم الترشح لأي منصب رسمي تريده أميركا أن يكون فيه.
الشعب الليبي وثرواته ضحية الإستعمار القديم والجديد وضحية الحكام والثوار فمن الإستعمار العثماني الذي أباد ثلث الشعب الليبي إلى الإستعمار الإيطالي الذي أكمل مجازر العثمانيين ثم الملكية وظلمها ثم جماهيرية القذافي الديكتاتور الذي صادر ليبيا على مدى أربعين عاما، ثم الثورة الخادعة التي أحرقت حتى ما بناه القذافي على قلته ....ثم يأتي التحالف الدولي ليكمل عملية الإعدام المستمر لليبيا الشعب والكيان والقيم الإنسانية.
حمى الله شعب ليبيا المظلوم من ثواره المتوحشين ومن حكامه الظالمين ومن رعاته المستعمرين ... هذا هو ربيع ليبيا الملون بالدم والحرائق والليل الطويل الذي لا ينجلي