مصر وصراع الأخوة نكسة الأخوان
د.نسيب حطيط
قبل عدة أشهر التقيت بأحد قادة الأخوان السابقين او المنشقين في مصر وسألته عن مستقبل مصر والأخوان فأجابني بان مصر امام ثلاثة إحتمالات :
- إنتصار الأخوان على معارضيهم وتحديات السلطة وهذا احتمال ضعيف جدا
- تدخل الجيش وإستلام السلطة
- انتشار الفوضى وتحولها الى فوضى مسلحة متعددة الصفات.
فعارضته بالترتيب فقط لأنني أعتقد أن الفوضى والصدامات بين القوى السياسية والأخوان ستسبق تدخل الجيش وتمهد له ،والظاهر ان مصر تسير في نفق الفوضى بعدما انتظرت حركة الاخوان المسلمين حوالي 60 لتتمكن من استلام الحكم في مصر و تونس وليبيا والمحاولات المتكررة في سوريا منذ الثمانينات ولاتزال ،واستطاعت وفق منهجية "التمكين " السياسي من انتظار نهاية الصدام بين الثورة والنظام الحاكم وعجز أي منهما على الحسم تدخلت حركة الاخوان وصادرت الثورة و السلطة ومؤسساتها .
اعتمد الاخوان المسلمون منهجية الاقصاء والابعاد ،واحتكار السلطة واستمر "البلدوزر" الأخواني بمصادرة آليات الحكم وأدوات السلطة ، وتصادمت مع كل القوى والشخصيات التي شاركت في الثورة وابعدتها عن المشاركة، وارتكبت الخطايا القاتلة:
- التزمت بالشروط الأميركية لضمان أمن اسرائيل فأعلنت التزامها باتفاقية كامب ديفيد ،كما كان نظامي مبارك والسادات!
- التحقت بالمحور الأميركي –الخليجي الذي تقوده قطر وأبتعدت عن السعودية بسبب الخلاف العقائدي بين الوهابية والمنهج الاخواني .
- تعاملت مع الشعب المصري كرعية واجبها الطاعة للسيد المرشد ،و اعتمدت منطق العشيرة" الاخوانية بعيدا عن مفهوم المواطنة.
- فوجئت باستلامها السلطة دون امتلاكها لأي برنامج اقتصادي أو إجتماعي أو سياسي و راهنت على حل مشاكل المصرية "بالدعاء والتسول والمقايضة السياسية"فقط.
- تصادمت مع العلمانيين والقوميين و الليبراليين و قوى المجتمع المدني، والقوى السلفية و الجيش و القوات المسلحة !
-تصدع حركة الاخوان بين الانشقاق و الفصل و الانقلاب و الحزب و الجماعة و الطموح الشخصي مما عرضها للتشتت و الضعف .
- عدم الالتزام بالمبادئ و الثوابت العقائدية الاسلامية سواء لجهة الصلح مع اسرائيل أو التعصب المذهبي و منع الفتنة الطائفية ( الاقباط و المسلمين )
-التزمت منظومة المصالح الوهمية و الظرفية حتى ظهرت مصر كاحدى مرتكزات المشروع الأميركي في المنطقة فقطعت العلاقات مع سوريا وأبقتها مع اسرائيل .
- تحويل حركة حماس كميليشيا للاخوان المسلمين مما أثار حساسية القوى السياسية و الشعب المصري خاصة الجيش و القوات المسلحة بعد حوادث قتل الجنود المصريين و اختطاف آخرين ...
- اعتمد الأخوان أسلوب نظام مبارك بمواجهة المعارضة بإتهامها بالتآمر الخارجي و انقلابها على الأكثرية و التجمع و قتل المتظاهرين و الاعتقالات ، لقد أفشل "الاخوان " تجربة الاسلام السياسي ،وابتدعوا وفق (فقه الاولويات ونظريات التمكين) ما يعرف بتطويع الاسلام لخدمة السياسة والسلطة ارتكازا على مبدأ الاسلاميين الجدد في تركيا بأن السياسة مصدر التشريع وليس الاسلام مصدر التشريع وهذا ما يناقض جوهر الاسلام الأصيل والسنة النبوية الشريفة
حيث نرى الاسلاميون الجدد يتركون الدين وأحكامه بمجرد الوعد بالسلطة أو الامساك بكرسي الحكم شكلا لا مضمونا.
في الذكرى السنوية الاولى لإستلام "الاخوان" الحكم رسميا في مصر كانت النتائج سلبية وغير مشجعة حيث حصد المصريون ومعهم العرب والمسلمين الإخفاق السياسي الاقتصادي والديني وفق ما يلي :
-تداعي وتصدع مؤسسات الدولة التشريعية والقضائية من أحكام حل مجلسي الشعب والشورى وانتفاضة القضاة .
-ابتعاد الجيش عن المسرح السياسي وعدم الإشتراك في مغامرات الرئيس المصري مرسي سواء للتورط في سوريا أو قمع الحركة الشعبية
-تدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي والضربات الموجعة لقطاعي الاستثمارات والسياحة والاعلام
-انتشار الفوضى وانعدام الأمن وانتشار السلاح على أنواعه حيث تبدو مصر على مشارف وقائع ميدانية تشابه الأوضاع الليبية والتونسية وبشكل أكثر قساوة وخطورة .
-تدهور الحريات العامة وزيادة أعمال القمع والاعتقال ومنع حرية التعبير والتظاهر وبدء مفردات الطائفية والقومية والفرعونية وغيرها مما يهدد وحدة المجتمع المصري ويدفع مصر الى ما تعرضت له السودان من تقسيم وانفصال جنوب السودان كمرحلة أولى يمكن أن يتبعها انفصال دارفور وغيرها .
30 يونيو يوم الامتحان السياسي والشعبي للاخوان بل هو يوم الفصل في المشهد السياسي لمصر فإما أن يحكم الاخوان قبضتهم على الشارع المصري متجاوزين اللعبة االديموقراطية أو تدخل مصر في الفوضى الهدامة وصولا الى الفوضى المسلحة أو يرضخ الاخوان لمطالب المعارضة ويجرون الانتخابات المبكرة (وهذا مستبعد ) مما سيدفع الجيش في نهاية الأمر الى استلام الحكم تحت شعار حماية الأمن القومي وتهيئة الظروف لانتخابات جديدة في سيناريو مكرر للفترة الانتقالية التي شغلها المجلس العسكري.
الظاهر أن الشعوب العربية لا تحكم الا من الجنرالات أو العسكر سواء بالزي المدني أو العسكري ولا تستطيع النخب السياسية انتاج رئيس جمهورية حتى في لبنان )الديموقراطي الديمقراطي والمتعدد سياسيا .
حمى الله مصر من أبنائها وأعدائها ،وربيع مصر "خريف اخوانها" بامتياز ،لم تحصد منها مصر والأمة سوى الخيبة والفشل كما في ليبيا وتونس ،دمارا وخرابا كما في سوريا مما أضاع بوصلة فلسطين فأصبحت إسرائيل صديقا للثورات والمقاومة عدوا لها ،ومن كانت اميركا حليفه عليه ان يشكك بدينه وحريته!