مظلومية السيدة فاطمة الزهراء نسيب حطيط
قال رسول الله (ص) ( فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها أغضبني)
قالت الزهراء(ع) (أما كانَ رَسُولُ اللهِ أبِي يَقُولُ: "اَلْمَرْءُ يُحْفَظُ فِي وُلْدِهِ"؟
مقدمة واهداف البحث.
إن حادثة اقتحام بيت الامام علي والسيدة الزهراء(عليهما السلام) في العام (11هجري الموافق للعام 632 ميلادي) من قبل الخليفة عمر بن الخطاب مع جماعة مسلحة من المسلمين وبأمر من الخليفة أبو بكر لاجبار الامام علي لمبايعة الخليفة "أبو بكر" خلاف الأمر الإلهي الذي اعلنه رسول الله(صلعم) في خطبة الغدير (من كنت مولاه فهذا علي مولاه) ..احدثت جرحا في الجسد الإسلامي لم يلتئم عبر التاريخ حتى الآن واحدثت شرخاً بين المسلمين بين مؤيد ومستنكر ومحايد .
ان هذه الحادثة كانت في قساوتها واستثنائية الأشخاص الذين يشكلون ابطالها من نخبة القيادة افي المجتمع الإسلامي الوليد والحديث في بنيويته واستقراره ،فالفاعلون هم من أصحاب رسول الله(صلعم) عمر وأبو بكر وغيرهم والمعتدى عليهم هم اهل بيت الرسول (الامام علي والسيدة فاطمة الزهراء) في خلاف تختلف خلفياته وأهدافه واسلوبه وسلوكياته حيث انحرف المحور الأول المتمثل بفريق "سقيفة بني ساعدة" نحو العنف والإكراه واستغلال لحظة الفراغ في القيادة الدينية والسياسية (وفاة الرسول وتجهيزه ودفنه) فتركوه دون اعتبار لحرمة الموت وعقدوا اجتماعا لتعيين خليفة (بحجة عدم جواز الفراغ في القيادة) واستغلالا لإنشغال الامام علي وانصاره في تجهيز وغسل رسول الله (ص) .
ان اقتحام البيت النبوي كان اقتحاما للإطاحة بالنهج النبوي وانقلابا على الوصية والاعلان النبوي ومع انه كان حدثا "لحظويا" منذ اكثر من 1400عام حاول الخليفتان "أبو بكر وعمر" الاعتذار عنه لكن السيدة الزهراء وبناء على فهمها واستشرافها للامور امتنعت عن المسامحة لهما لأن هذا الحدث قد أسس للخلاف المستدام في التاريخ الإسلامي وقسم المسلمين الى فرقتين أساسيتين (السنة والشيعة) مع كال تداعيات هذا الانقسام السلبي واثره المستمر على الإسلام والمسلمين.
ان هذه الحادثة والتي اعترف بها اغلب المسلمين السنة والشيعة (مع اختلاف في سرد التفاصيل والدوافع) والتي يتم استحضارها كل عام عند المسلمين الشيعة وتظهر في أيامنا المعاصرة بما يعرف "بالأيام او الليالي الفاطمية والتي تتحكم ببعض الذاكرة والهوية الشيعية من الناحية العاطفية خصوصاً والعقدية عموماً لازالت (وستستمر) بابا من أبواب الجدال والفرقة وربما الفتنة أيضا مع ان الحكمة تستدعي في حال استذكار الحادثة ان تكون من باب للعبرة ومحاولة تجاوز تكرارها مع ضرورة لفت الانتباه.
ان من واجب المسلمين خصوصاً "الشيعة" الذين يعلنون ولائهم ونصرتهم للامام علي (ع) ان يصبروا كما صبر ويسلكوا مسلكه الذي يضع حفظ الإسلام كاولوية على كل الأمور الشخصية او المصلحية وان كل حياته وما يملك مع عائلته الاستشهادية من اجل الإسلام وحفظه والدفاع عنه وانه يتنازل ويتجاوز عن كل امر شخصي او غيره وفي هذا تقول السيدة الزهراء في خطبة فدك(وَنَصْبِرُ مِنْكُمْ عَلى مِثْلِ حَزِّ الْمُدى، وَوَخْزِ السِّنانِ فِي الحَشا) اذا تزاحمت المصلحة والرغبات الشخصية وحتى الحقوق مع حفظ الإسلام وعلى شيعته ان يلتزموا بما التزم به ولم يدخل الفتنة التي شرعوا أبوابها ولم يشهر سيفه مع القدرة على ذلك لأنه ملتزم باسنة النبوية والتي علينا ان نلتزم به فمع انكارنا لفعل الاعتداء لكننا ولاء وطاعة لله ورسوله ولوصي رسوله نغلق أبواب الفتنة دون الإقرار بمشروعية الظلم والعدوان وله .
ان هذا "البحث" يهدف للإضاءة على الحادثة وتحليلها ووصفها وفق ما ذكرناه في هذه المقدمة وتأكيد على الرواية وتحليلها دون استذكارها لاعادة اشعال الفتنة...والله من وراء القصد والحمد لله رب العالمين .
شخصية السيدة الزهراء(ع).
فاطمة الزهراء هي بنت رسول الله النبي محمد ، أمها السيدة خديجة بنت خويلد بن اسد القرشية ، وزوجها وصي رسول الله الامام علي بن ابي طالب ، وهي احد أصحاب الكساء الخمسة ، الذين يعتقد المسلمون الشيعة الامامية بعصمتهم وهي المرأة الوحيدة التي اصطحبها النبي محمد المباهلة نصارى نجران.
الأولاد: الإمامين الحسن والحسين سيدا شباب اهل الجنة والسيدة زينب وام كلثوم و وفقاً لمصادر الشيعة وبعض مصادر السنة هناك ولد آخر اسمه "محسن" الذي اسقطته جنينا على إثر اقتحام بيتها من قبل الخليفة عمر بن الخطاب وعصرها وراء الباب وضربها بالسوط بعد وفاة أبيها بقليل.
كان الرسول يحبّ ابنته فاطمة ، ويحترمها حباً واحتراماً قلَّ نظيره، وهناك حديث معروف للنبي، عنها: "يؤذيني ما آذاها، وينصبني ما أنصبها"،أو: فاطمة "بَضعة مني و: "من سرّها فقد سرّني، ومن ساءها فقد ساءني" وطبقاً لروايات أخرى: "فاطمة أعزّ البريّة عليّ ونقل هذ الحديث المحدّثون القدامى من الشيعة الشيخ المفيد ومن السنة احمد بن حنبل وغيرهم بعبارات مختلفة.
المواقف الاجتماعية السياسية.
ان العمر القصير للسيدة الزهراء والذي اختلف المؤرخون فيه فمنهم من قال انها لم تتجاوز الثامنة عشرة عند وفاتها ومنهم من قال الثالثة والعشرون والحد الأعلى هو ثمانية وعشرون عاما فقط ،لكنها استطاعت خلال هذا العمر القصير زمنيا لكنه الغزير بالثمار عقديا وتربوياً ان تنجز اموراً كثيرة على مستوى الأسرة فكانت الرحم العقائدي والتربوي "للعائلة الرسالية الإستشهادية" وكانت الزوجة المثالية و "البنت" البارة بأبيها حتى قال عنها رسول الله "أم أبيها" وكانت الخطيبة الفصيحة البليغة الفقيهة في الدين والقائمة بواجباتها في المقاومة النبوية ولم تغب عن ساحات الجهاد والقتال فكانت "الممرّضة" لأبيها وصاحبة الدعم اللوجستي والمعنوي لأبيها وزوجها ورافقتهم في عدة ساحات من القتال حتى في فتح مكة ون جملة فعاليات الزهراء الاجتماعية :
- تمريض ومداواة ابيها النبي(ص) على إثر جراحاته في غزوة أحد.
-تواجدها في حفر الخندق حیث جاءت بکسرة خبز إلی أبیها، وقالت : قرص خبزتُه، فلم تطب نفسي حتی أتیتك بهذه الکسرة-
- مرافقة ابيها رسول الله (ص) وزوجها الامام علي بن ابي طالب (ع) عند فتح مكة.
- معارضتها للانقلاب في "السقيفة"”على الامر النبوي بتنصيب الامام علي (ع) مولى للمسلمين.
- معارضتها الدينية والفقهية لاجتهاد الخليفة الأول ومحاججتها له حول شرعية توريث الأنباء والتي انكرها ابوبكر وعمر وتأكيدها على ذلك.(ونتيجة هذا الاجتهاد الخاطىء لازالت تبعات هذا القرار _السياسي-الديني) ذلك حرمان الإرث للنساء في المذاهب السنية الأربعة او الإنتقاص منه باشراك ذوي القربى خلاف المذهب الشيعي)
-تسبيحة الزهراء التي علمها الرسول الأكرم للزهراء وزوجها الامام علي عوضا عن اعطائهم خادمة تعينهم في اعمال البيت.
الوفاة(الاستشهاد).
ذكرت المصادر إن السبب الذي أدى إلى استشهاد الزهراء هي الإصابات التي رافقت أحداث ما بعد وفاة أبيها السقيفة، من اسقاطها لجنينها واختراق المسمار لصدرها وكسر ضلعها وضرب السياط والحالة النفسية والعصبية التي عاشتها يعد انقلاب القوم وتجرؤهم عليها والخيبة من جمهور المسلمين العام حتى ماتت شهيدة
وقد ورد في الروايات بأن الامام علي قد غسلها ولم يحضر غسلها إلا فضة( خادمتها) وأسماء بنت عميس،، وصلّى عليها الإمام علي (ع ) ولم يصلّى عليها أحد من سائر الناس غير الإمامين الحسن والحسين والعباس بن عبد المطلب والفضل بن العباس والزبير والمقداد وسلمان وأبو ذر وعمار وعقيل وعبد الله بن مسعود فحملوا نعشها فوق سرير صُنع لها بطلب منها وشُيّعت ليلاً.
القبر المجهول.
لقد تمت مراسيم تجهيز جثمان الشهيدة الزهراء (ع) وتشييعها ودفنها في الليل وبعيداً عن الأنظار، وقد بقي محل القبر مخفياً على الناس، مع الاحتمال بأن يكون ضمن عدة مواقع ومنها :
- الدفن داخل بيتها(احتمال ضعيف لأن الجنازة قد حُملت في نعش وتم تشييعها).
- بين قبر رسول الله ومنبره أي الروضة.(احتمال ضعيف) لوجود السيدة عائشة .
- مقبرة "البقيع" (وهو الإحتمال الأقوى بالقرب من الزاوية التي دفن فيها الأئمة الأربعة ومنهم الامام الحسن)
مظلومية منع البكاء.
تمثل مظلومية السيدة الزهراء(ع) إشكالية مركزية في التاريخ الإسلامي وتمثل معركة من الحرب على الرسول الأكرم والثأر منه في اهل بيته انتقاما لما يعتقد البعض ممن اتبعوه كرها او طمعا او مهادنة او لمصلحة بركوب ظهر الدين الجديد واسترجاع ما يعتقدون انه سلبه منهم... (ونقلا عن ام سلمة انها قالت سالت الزهراء عن حالها كيف أصبحت يا بنت رسول الله ؟
فقالت أصبحت بين كمد وكرب فقد النبي وظلم الوصي...وهتك والله حجابه من أصبحت امامته مقتضية على غير شرع الله في التنزيل وسنها النبي صلى الله عليه واله في التاويل ..لكنها احقاد بدرية ... وترات احدية(ثارات احدية) كانت عليها قلوب النفاق مكتمنة (مخبئة) إمكان الوشاة ..فلما استهدف الأمر أرسلت علينا شآبيب الآثار من مخيلة الشقاق فيقطع وتر الإيمان من قسي صدورها ولبئس على ما وعد الله من حفظ الرسالة وكفالة المؤمنين احرزوا عائدتهم غرور الدنيا بعد استنصار ممن فتك بآبائهم في مواطن الكرب ومنازل الشهادات..) ومحاولة انقلابية لاستلام السلطة كهدف مركزي تلبس ثياب الدين لكنها تعتمد على ركيزة المعصية العقدية والسلوكية لله سبحانه ورسوله الكريم عبر الإطاحة بالبلاغ الإلهي الذي اذاعه رسول الله في خطبة "الغدير" بوجوب الانصياع للامر الإلهي بأن يكون علي بن ابي طالب وصي اًلرسول الله (ص) ووليا للمسلمين من بعده من كنت مولاه فهذا علي مولاه) .
لقد تم سلب السيدة الزهراء(ع) من ابسط حقوق الإنسان المتمثل بحق البكاء وحق الحزن وحق التعبير عن الألم والفراق مع ان هذا الفعل لا يؤذي احداً بالمعنى المادي المحسوس خاصة وهو يصدر عن مثكولة حزينة ضعيفة الصوت في مكان محدود بلا مذياع او مكبرات للصوت مما دفعها للابتعاد عن الجماعة العامة والمستبدة وان تبني بيت احزانها في ضواحي المدينة في الفضاء الموحش البعيد عن قبر ابيها وتصوروا مشهدية ان تطرد الإبنة عن قبر ابيها رسول الله(ص) وتبعد قسريا وحيدة وتذهب بعيدا عن قبره لتنوح وتبكي وحيدة ..!
ما يثير الاستغراب قساوة القلب عند هؤلاء الحاكمين، كخلفاء للرسول وفق قولهم ثم يمنعون البكاء عليه...ويزيد الاستغراب والتعجب حتى الاستنكار والإدانة لصمت جمهور المسلمين الذين لم ينتصروا للسيدة الزهراء بضعة الرسول الأكرم ..في امر بسيط يكاد يكون صامتا ..وانسانيا متمثلا بالبكاء ..!
صورة بيت الاحزان المبنى رقم(1)
مظلومية منع الارث(فدك).
خطبت السيدة الزهراء في المسلمين خطبتها الشهيرة البليغة التي عرفت بالخطبة الفدكية حيث قالت :
(أَيُهَا الْمُسْلِمونَ أاُغْلَبُ عَلى ارْثِيَهْ يَا ابْنَ أبي قُحافَةَ! أفي كِتابِ اللّهِ أنْ تَرِثَ أباكَ، وِلا أرِثَ أبي؟ (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً فَرِيًّا)، أَفَعَلى عَمْدٍ تَرَكْتُمْ كِتابَ اللّهِ، وَنَبَذْتُمُوهُ وَراءَ ظُهُورِكُمْ اذْ يَقُولُ: {وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ}، وَقالَ فيمَا اخْتَصَّ مِنْ خَبَرِ يَحْيَي بْنِ زَكَرِيّا عليهما السلام اذْ قالَ رَبِّ {هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِياًّ يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} وَقَالَ: {وَاُولُوا الأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّه} وَقالَ: {يُوصِكُمُ اللّهُ في أوْلادِكُمْ لِلذكَرِ مِثْلُ حَظِّ الاُنْثَيَيْنِ} وقال: {انْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ والْأَقْرَبِبنَ بِالْمعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ}. وزَعَمْتُمْ أَلَا حِظوَةَ لِي، وَلا إرْثَ مِنْ أبي ولا رَحِمَ بَيْنَنَا!
بعد مظلومية منع البكاء على رسول الله (ص) كانت مظلومية "فدك" والعدوان على السيدة الزهراء(ع) بسلبها ما أعطاها إياه الرسول في حياته ووزّع ثماره على فقراء المسلمين بعنوان الصدقة من ملك فاطمة المتمثل ببساتين "فدك" والتي كانت فيئا لرسول الله بعد فتح خيبر والتي ارتكب فيها الخليفة الأول أبو بكر يساعده ويحرّضه الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ،فاولى المعاصي تجرؤه على رسول الله وعدم تنفيذ امره النبوي والولائي على المسلمين الذي هو أولى بأنفسهم منهم والمعصية الثانية ومن ايده فيها واعتقد بما قاله هو الادعاء بأنه الأكفأ والأعلم بتفسير الحكم الشرعي من النبي الأكرم الذي بادر الى توريث ابنته بينما زعم ان الأنبياء لا يورثون وفق اجتهاده وقد قدم اجتهاده ورأيه على قول الرسول وحكمه عند تزاحكم القولين او حشر قوله لجانب وقبالة قول الرسول مخالفا للنص القرآني ( مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً }(النساء:80) { وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ }(الحشر: 7).
ان الغاء ملكية الزهراء(ع) لبساتين "فدك" وضمها بالإستملاك لبيت المال العام يندرج ضمن سلسلة التعدي والعدوان على رسول الله وآله من حلال بضعته وابنته الزهراء والتأسيس لمنظومة قال أبو بكر وعمر وقال رسول الله..!!
لقد أسس هذا التجرؤ على الله ورسوله لسلسلة من ألأحاديث والأفعال لبعض الخلفاء وفتحت الطريق لمنهج الإجتهاد والمخالفة للنص القرآني والسنة النبوية فيما بعد وارتكزت عليها منظومة الدولة الاموية العباسية الى يومنا هذا وكان بعض الحكام اكثر حنكة ودهاء حيث عادوا للانقلاب على النهج النبوي من خلال الأحاديث الموضوعة والكاذبة التي كانوا يشترونها من افواه الرواة او المحدثين بل نصبوا البعض راويا ومحدثا وان لم يكن كذلك وقد اتخم الحديث النبوي بالرواة الكذبة والمزورين ... هذه ا أسست لحديث عمر بن الخطاب بحيث ورد في صحيح مسلم عن ابن عمر قال ( قال عمر: وافقت ربي في ثلاث في مقام إبراهيم، وفي الحجاب، وفي أسارى بدر )!-وفي بعض الأحاديث وافقني ربي..!
ان حرمان السيدة الزهراء (ع) كان بهدف مصادرة مصدر التمويل المحتمل بيد الامام علي(ع)(أي المبادرة لتنفيذ الحصار الاقتصادي وفق المصطلح المعاصر) والذي يمكن ان يجذب المحتاجين والفقراء اليه بالتلازم مع حرمانهم من العطاء وفق الطبقية التي بدات تظهر في التمييز بين المسلمين واعتبار ان المال احد عناصر القوة للسلطة او الولاية واذا تم الأمر يمكن بعدها مصادرة أي ملكية لاي مسلم طالما ان فاطمة بنت رسول الله قد تم مصادرة واستملاك ملكيتها وحفها...!
ان الصراع على "فدك" ليس كما يظنه البعض بأنه هدف دنيوي لأهل البيت(ع) بل هو صراع _عقدي ديني وسلوكي بين محورين ..
- محور الإنقلاب على السنة النبوية المتمثل بداية بالخليفتين الأول والثاني ...
- محور الدفاع عن السنة النبوية المتمثل باهل البيت ورمزيهما الامام علي والسيدة الزهراء عليهما السلام.
مظلومية الضلع المكسور.
ان المظلومية الكبرى التي تعرّضت لها السيدة الزهراء والتي لا تنسجم مع القيم العربية السائدة في الجاهلية ولا تنتمي للقيم الإسلامية لكنها تشابه ما تعرّض له الأنبياء والرسل وابنائهم وعوائلهم من المظلومية والقتل والسجن والتعذيب او الحصار ..لكن المفارقة ان من سبقها كانت بفعل الجماعة التي لا تؤمن بالدين وتحاول حماية معتقداتها التي تؤمن بها وتعلن جهارا وبصراحة محاربتها للفكر الديني ورسله وانبياؤه ورموزه .بينما في قضية السيدة الزهراء تم الانقلاب على آل الرسول ..باسم الدين .للثأر مما سبق بعدما تم الانحناء امام قوة الدين الجديد والتسلل اليه ثم العمل على السيطرة على قيادته بعد الرسول واستعادة الحكم المفقود والذي نزعه منهم الدين ليعودوا ويحكموا الناس باسم الدين بعدما تمردوا على البلاغ الإلهي والنص النبوي والواقع المعروف من الجميع وحتى منهم ..!
ان التجرؤ على حشد جماعة مسلحة بامر من المتصدي لخلافة رسول الله وبقيادة المرشح للخلافة بعده ولاقتحام بيت الامام علي والسيدة الزهراء على بعد امتار من قبر الرسول وبعد وفاته بأيم حيث لم يجف تراب القبر بعد وذلك بهدف اخذ البيعة علي غصبا وكرها ومخالفة لرسول الله وامره في تحد واضح لله ورسوله وللنص الإلهي (لا إكراه في الدين" وفرض البيعة كرها بتهديد السلاح واحراق البيت على من فيه مع معرفة من فيه وفضلهم ودرجتهم وهم:
- الامام علي وصي رسول الله والقائد الإسلامي المعلوم غير المجهول والمنتسب الى بني هاشم الذين لهم منزلتهم الاجتماعية في المنظومة الاجتماعية العربية قبل الإسلام وبعده.
- السيدة الزهراء بنت رسول الله وحبيبته وبضعته والتي يعرف من هاجمها وسلبها حثها منزلتها عند الله سبحانه ورسوله والتي اشهدتهم على انفسهم بمال سمعوا من رسول الله (ص) عندما قال (فاطمة بضعة مني...من اذاها فقد اذاني...ومن ابغضها فقد ابغضني...)
- الحسن والحسين المعروفين عند المسلمين وعند من هاجمهما وهدد بإحراق البيت عليهما بأنهما سيدا شباب اهل الجنة ويعرف الآمر والقائد للاقتحام والإحراق منزلتهما عند رسول الله وسمعا وشاهدا ذلك واللذان قال بهما رسول (امامان قاما او قعدا...حسين مني وانا من حسين...)
- سلمان المحمدي .وابو ذر والمقداد والعباس والفضل بن العباس والزبير وغيرهم من كبار الصحابة والمعروفين بتقواهم ومنزلتهم ودرورهم في الحركة الدينية وتثبيت ونشر والدين الجديد والدفاع عنه بل والقدرة الهم على خوض المعركة بمعناها العسكري الميداني اذا أرادوا ...
ان الإقتحام العنيف بعد الإنقلاب السياسي في "السقيفة" ومنذ اللحظات الأولى لوفاة رسول الله(ص) يدل على النوايا المبيتة والكامنة في الصدور وانتظار الفرصة المناسبة لاعلان الانقلاب وتسلم السلطة وفق فهم الإنقلابيين الدنيوي وليس وفق الفهم الأخوي للمنقلب عليهم وكأن من انخرط في هذا الإنقلاب قد صبر في الكمين السياسي والديني الذي نصبه للاسلام حوالي 23 عاما منذ اعلان الرسالة من قبل الرسول الأكرم وصبر لممارسة الإغتيال السياسي في لحظة فراغ وحزن وقد كان ذكيا وباطنياً وجريئاً على الله ورسوله ..
قد يظن البعض ان اثارة ما حدث هو نبش للماضي واثارة للفتنة وهذا امر خاطئ وفهم سطحي للمشكلة وللاسلام والتعامل مع الحدث بشكل منفصل ومعزول عن المسيرة الدينية الى يوم القيامة ..ولأن الإسلام خاتم الرسالات ..ولأن الرسول الأكرم خاتم الأنبياء .ولا بد من التعامل مع هذا الحدث وكأنه حدث لحظوي في كل عصر لأن تبعاته لا زالت حتى اليوم وستبقى حتى يأذن الله للإمام المنتظر بالخروج ؟
وتصوروا ماذا كانت النتائج لو لم ينقلب المنقلبون ؟؟؟
لن يكون هناك مسلمون سنة من اتباع الإنقلابيين...لن يكون هناك مسلمون شيعة من الذين تم الانقلاب عليهم؟
كانت دعائم تثبيت الإسلام مع الامام علي اكثر رسوخا وعدالة وحكمة وعلما .
لما كانت حروب صفين والنهروان والجمل وغيرها .
لما كانت عاشوراء ومجزرة كربلاء التي افتعلها الأمويون ..اتباعا لسنة اقتحام بيت علي وفاطمة ...
اقتحام البيت والتأسيس لقتل لأهل البيت.
ان لعملية اقتحام بيت الامام علي والسيدة الزهراء بعد أيام على وفاة رسول الله وعلى بعد امتار من القبر المقدس دون مراعاة أي حرمة وكرامة لرسول الله من قبل الذين اعلنوا انفسهم خلفاء له وجهان :
- الوجه الأول :مادي_لحظوي انتهى باحراق البيت واعتقال الامام علي واجهاض الزهراء واهانتها واستشهدت مظلومة ونتيجة الاعتداء المادي المباشر.
- الوجه الثاني: ديني _ مستدام ..تمثل بالتاسيس لمنظومة القتل المنظم لأهل البيت عن سابق تصور وتصميم لابادة هذا البيت بهدف القضاء على الإسلام النبوي الأصيل وفق الحديث النبوي (أَمَّا بَعْدُ ، أَلاَ أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رَسُولُ رَبِّي فَأُجِيبَ ، وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ : أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللهِ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ فَخُذُوا بِكِتَابِ اللهِ ، وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ فَحَثَّ عَلَى كِتَابِ اللهِ وَرَغَّبَ فِيهِ ، ثُمَّ قَالَ : وَأَهْلُ بَيْتِي أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي ، أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ فِي أَهْلِ بَيْتِي...)"صحيح مسلم 6304- [36-2408]" ويما ان الانقلاب على الثقل الأول "القرآن " مستحيل (انا نحن انزلنا الذكر وانا له لحافظون " ويخرج من الإسلام فكان التوجه للقضاء على الثقل الثاني"اهل بيت الرسول" وفق عملية الثأر المنظم رداً على مقتل زعماء قريش الكفار في معارك "بدر" و "احد" وغيرها ويروي ابن عباس حديثا وقع بين الخليفة الثالث عثمان وبين علي بن أبي طالب فيقول ( وقع بين عثمان وعلي كلام ، فقال عثمان : ما أصنع إن كانت قريش لا تحبكم ، وقد قتلتم منهم يوم بدر سبعين كأن وجوههم شنوف الذهب ) وتم إعادة التبرير بالقتل في كربلاء حيث كان نداء التحفيز الأموي لجيش يزيد للهجوم وقتال الامام الحسين (هذا ابن قتال العرب ..) (ونقاتلك كرها منا لأبيك) وبدأوا باغتيال الامام علي في مسجد الكوفة بتهمة الكفر والضلال من قبل الخوارج ثم اغتيال معاوية للامام الحسن (الخليفة الخامس لمدة ستة اشهر) ثم اغتيال وقتل الامام الحسين في مجزرة كربلاء التاريخية مع اهل بيته وما تبقى من أصحابه ثم صلب الشهيد زيد بن علي واحراقه ... وبقيت عمليات القتل والنفي والتهجير مستمرة حتى الآن بتهمة الكفر والضلالة لكل المسلمين الشيعة وقد اسّس هذا الإقتحام ، لشرعنة منظومة ومعادلة ( شرعية المتغلّب بالسيف) وكانت "بذار" المنهج التكفيري الذي "توالد" في التاريخ الإسلامي ولايزال وكانت آخر مواسمه الحركات التكفيرية المعاصرة من الأم الولود "الوهابية "وأولادها من "داعش" و القاعدة" و "بوكو حرام" واخواتها من الجماعات التكفيرية وهذا ما اشرنا اليه وفصلناه في كتابينا "السلفية التكفيرية –الجذور والمنهاج" وكتاب "نواقض المذهب التكفيري من القرآن والسنة"
الزهراء وتأسيس المعارضة المدنية.
بعدما التزم الإمام علي (ع) بوصية الرسول الأكرم بوجوب الصبر على الأذى وعدم استعمال سيفه ضد من سينقلب على "بلاغ الغدير النبوي" ووجوب الصمت لحفظ الإسلام من الفتنة الداخلية ولا يزال الناس في بداية عهدهم الديني على مستوى العقيدة والسلوك حيث لا زالت الثقافة الجاهلية والسلوك الجاهلي يطغى على شخصية عامة المسلمين الا قلة قليلة
ان إصرار الإنقلابيين على اخذ "بيعة الامام علي" اعتراف وإقرار انه لا يمكن إضفاء الشرعية على "خلافتهم الا بمصادقة الامام علي حتى لو بايع كل المسلمين سواء كرها او طوعا او جهالة ..فبيعة المسلمين بحاجة الى توقيع مفرد يمتلك شرعية التمثيل والولاية لرسول الله ولا يمكن إضفاء الشرعية على أي سلطة او خليفة الا بتوقيع وصي رسول الله(ص) المتمثل بالإمام علي .وهذا اعتراف من الانقلابيين بموقعه وحقه.
ان ما قامت به السيدة الزهراء يمثل موقفها الرسالي الديني وواجبها وتكليفها الشرعي وليس بناء على صفتها الزوجية او والقرابة مع الامام علي او دفاعا عن سلطة مادية كما يتصور البعض بل قامت بواجبها السياسي بالتلازم مع الموقف الرسالي الصامت للإمام فكانت صوته الصارخ بوجه الإنقلابيين واقامت اول مظاهر سلمية" في الإسلام والتي تعرّضت للقمع والتعنيف المفرط واسست للمعارضة المدنية" دفاعا عن الإسلام ليتكامل دورها وفعلها مع المقاومة المسلحة" التي كان الامام علي قائدها ورمزها وايقونتها ورائدها بعد رسول الله (ص) ولذا كان هذا البيت غرفة عمليات .. وقيادة اركان للمقاومة بكل انواعها المسلحة والمدنية والثقافية والرسالية_ والاجتماعية" ولذا كان هدفا للاقتحام والحرب عليه منذ الأيام الأولى لوفاة الرسول الأكرم ولا يزال هذا البيت واتباعه في خندق الدفاع عن الإسلام حتى اللحظة ...
ان ما يلفت الإنتباه ... السلوك الرسالي والصبر والإنضباط العالي الدرجة اثناء هو ما جرى في اللحظات الحرجة والصعبة واثرها العاطفي والإنساني على الامام علي ومن كان معه من الأنصار في بيته انه لم يستخدم سلاحه مع القدرة على ذلك واستطاع الصبر المر في ذروة الانفعال والغضب والحزن لما أصاب السيدة الزهراء .لكنه وفق منظومة درء المفسدة ومزاحمة مصلحة الإسلام على ما يعتبره حقا له .اعاد تكرار موقفه عندما شتمه عمر بن ود العامري فتوقف في نصف ضربته ولم يهو بالسيف عليه حتى تكون ضربته لله وفي سبيل الله وليس انتقاما لنفسه وكرامته ..والامام علي يفتح أبواب مدرسته للناس ويدعوهم للدراسة فيها ليكونوا من شيعته وانصاره قولا وفعلا وسلوكا وعقيدة .وليس ادعاء انتماء بالولادة او بالشعار ...
الزهراء والاحتجاج بالجنازة السرية .
بعدما امتنعت السيدة الزهراء(ع) عن استقبال الخليفتين ابو بكر وعمر وهي في مرضها واللذان اتيا لطلب الاعتذار، فاشاحت بوجهها عنهما واستكملت معاقبتهما بسبب الحاق الاذى بها وكسر صلعها واسقاط جنينها وهتك حرمة بيتها وخدش كرامتها وقدسيتها بسبب معارضتها اقتحام البيت وسلب الخلافة وظلمها واعتدى عليها، فكان قرارها بالطلب من الامام علي ان تدفن ليلا وان تحرم المعتدين عليها من المشاركة في جنازتها والصلاة عليها لموقفها الغاضب منهم من جهة ولمنعهم من اكتساب شرعية الامامة في الصلاة بحضور الامام علي من جهة اخرى ولاستكمال فعل لاحتجاج موتا بعدما كان الاحتجاج حيا وهي على قيد الحياة فكان احتجاجا بليغا وصامتا صمت الموت لكنه صارخ وفاضح لإدانة المعتدين فكما صرخت في وجههم في خطبتها "الفدكية" وكما صرخت بوجه سياطهم اثناء اقتحام بيتها صرخت بجنازتها في جوف الليل وادخلت القلق والخوف في عقولهم وهم نيام او يقظين ...حتى استدرك
الخليفة ابوبكر وهو على فراش الموت حين قال، فأما الثلاث اللاتي وددت أني لم أفعلهن :
- فوددت أني لم أكن كشفت بيت فاطمة وتركته .... وأن أغلق علي الحرب ،....
- ووددت أني يوم #سقيفة بني ساعدة كنت قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين: أبي عبيدة أو عمر ، فكان أمير المؤمنين ، وكنت وزيراً..
- ووددت أني حيث كنت وجهت خالد بن الوليد إلى أهل الردة، أقمت بذي القصة فإن ظفر المسلمون ظفروا ، وإلاّ كنت ردءاً أو مدداً...( الطبراني- المعجم الكبير- الجزء 1- ص- 62)
ان المقاومة المدنية السلمية التي اسست ركائزها السيدة الزهراء ومارستها حتى الرمق الاخير واستكملتها بالجنازة السرية والخفية دون اعلان ...هي احتجاج على العقوق الذي مارسه المسلمون عامة تجاه الرسول الاكرم(صلعم) بعد وفاته الا قلة قليلة عبر عدم حفظ اللامر الالهي لرسوله بابلاغ الناس( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَىٰ ۗ ...) ولم يحفظوا الرسول في اهل بيته والذي عرفهم المسلمون باصحاب الكساء الخمسة (والمفارقة ان هؤلاء... علي وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام)... قد قتلهم المسلمون بالسيف والسم والسجن... ولم يقتلهم الكفار والمشركون ...!!!
المناظرة والنقاش بين السيدة الزهراء(ع) والخليفة ابوبكر .
بعد قرار "الإستملاك" "والتأميم "الذي أصدره الخليفة "أبو بكر" القاضي بمصاردة بساتين "فدك" المملوكة من السيدة الزهراء (ع) بالإرث والوصية من ابيها رسول الله(ص) بحجة ان أبو بكر قد سمع من رسول الله ان الأنبياء لا يورثون مالا ولا عقارا بل يورثون العلم والحكمة مقابل الرأي المناقض الذي تعتقده السيدة فاطمة وفق النص القرآني الصريح حول توريث الأنبياء لابنائهم وكذلك الأمر النبوي المباشر لها بقبول منحها فدك على حياته ،مما دفعها للاعتراض المباشر والعلني لسبب مباشر يعتقده البعض دفاعاعن ملكية زائلة دنيوية وهي بنت بيت الزهد والصدقة والتنازل عن الدنيا انما كانت الزهراء تهدف الى امرين اثنين:
- مواجهة الانقلاب على القرآن والسنة : القيام بخطوة استباقية اعتراضية لمنع التاسيس لمنظومة الانقلاب الفقهي والديني على القرآن(اعتمادالإجتهاد الخاطىءقبالة النص الواضح) والسنة النبوية (الصريحة والواضحة والتي ليس فيها متشابه او تأويل) وذلك حفظا للاسلام القرآني والسنة النبوية الشريفة وقد نجحت في ذلك بشكل كبير عندما تراجع أبو بكر عن قراره لكن الخليفة عمر اعترض ومزق كتاب "أبو بكر" وهذا تمرد وخروج عن الحاكم وفق رأيهم مما يستدعي القصاص لكن شخصية أبو بكر المهادنة لعمر منعنه من ذلك.
- منع خطيئة عدم توريث الأنثى: يبدو ان الثقافة الجاهلية ضد الأنثى التي كانت تدفن "حية" في بعض الأحيان للنجاة من العار المفترض او تعرضها للسبي ..لم تغادر اذهان المسلمين وهم حديثي العهد في الإسلام ولأن الطبع والتقاليد والسلوك الاجتماعي الجاهلي لا يزال متجذراً في النفوس فكانت محولة الإلتفاف على التشريعات والأخلاقيات الإسلامية الجديدة التي ساوت بين الذكر والأنثى في كل الحقوق والواجبات (مع بعض الاستثناءات ) لكنها اطلقت الأوصاف بالتساوي سواء سلبا او ايجابا ( المؤمنون والمؤمنات ...المسلمون والمسلمات ) ( الزانية والزاتي .. وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ ...).
لقد تم التاسيس لعدم حصرية وراثة الأنثى الا بمشاركة ذوي القربى عند اتباع الخليفتين من المذاهب الإسلامية الأربعة (ولو بنسب ومواصفات ومستويات مختلفة) بينما التزم المذهب الإسلامي الشيعي الموالي للامام علي واهل البيت بالنص القرآن (لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا) وفي آية أخرى(يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ)(الآيات 7و11من سورة النساء).
وبناء لواجبها الرسالي وواجبها الديني الطليعي تحرّت السيدة الزهراء للاعتراض والشرح وللاضاءة على الخطأ الإجتهادي للخليفة "أبو بكر" في منظرة ونقاش علني امام المسلمين بالحجة والدليل والبيّنة والشرح مما جعله يتراجع عن اجتهاده ويثني على كلامها لكن الخليفة عمر ابى وبقي على موقفه الخاطىء يالتلازم مع صكمت وسكوت من عامة المسلمين .
لقد جرت المناظرة والحوار بخطبة الزهراء وفق التالي .
خطبة فاطمة الزهراء عليها السلام المعروفة بالخطبة الفدكية
بسم الله الرحمن الرحيم
روى عبد الله بنُ الحسن عليه السلام بإسنادِه عن آبائه عليهم السلام أنَّه لَمّا أجْمَعَ أبو بكر عَلى مَنْعِ فاطمةَ عليها السلام فَدَكَ، وبَلَغَها ذلك، لاثَتْ خِمارَها على رأسِها، واشْتَمَلَتْ بِجِلْبابِها، وأَقْبَلَتْ في لُمَةٍ مِنْ حَفَدتِها ونساءِ قَوْمِها، تَطأ ذُيُولَها، ما تَخْرِمُ مِشْيَتُها مِشْيَةَ رَسولِ الله صلى الله عليه وآله، حَتّى دَخَلَتْ عَلى أَبي بَكْر وَهُو في حَشْدٍ مِنَ المهاجِرين والأَنصارِ وَ غَيْرِهِمْ فَنيطَتْ دونَها مُلاءَةٌ، فَجَلَسَتْ، ثُمَّ أَنَّتْ أَنَّةً أَجْهَشَ القومُ لها بِالْبُكاءِ. فَارْتَجَّ الْمَجلِسُ. ثُمَّ أمْهَلَتْ هَنِيَّةً حَتَّى إذا سَكَنَ نَشيجُ القومِ، وهَدَأَتْ فَوْرَتُهُمْ، افْتَتَحَتِ الْكَلامَ بِحَمدِ اللهِ وَالثناءِ عليه والصلاةِ على رسولِ الله، فعادَ القومُ في بُكائِهِمْ، فَلَما أمْسَكُوا عادَتْ فِي كلامِها، فَقَالَتْ عليها السلام:
الْحَمْدُ للهِ عَلى ما أنْعَمَ، وَلَهُ الشُّكْرُ على ما أَلْهَمَ، وَالثَّناءُ بِما قَدَّمَ، مِنْ عُمومِ نِعَمٍ ابْتَدَأها، وَسُبُوغ آلاءٍ أسْداها، وَتَمامِ مِنَنٍ والاها، جَمَّ عَنِ الإحْصاءِ عدَدُها، وَنأى عَنِ الْجَزاءِ أَمَدُها، وَتَفاوَتَ عَنِ الإِْدْراكِ أَبَدُها، وَنَدَبَهُمْ لاِسْتِزادَتِها بالشُّكْرِ لاِتِّصالِها، وَاسْتَحْمَدَ إلَى الْخَلايِقِ بِإجْزالِها، وَثَنّى بِالنَّدْبِ إلى أمْثالِها.
وَأَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ، كَلِمَةٌ جَعَلَ الإِْخْلاصَ تَأْويلَها، وَضَمَّنَ الْقُلُوبَ مَوْصُولَها، وَأَنارَ في الْفِكَرِ مَعْقُولَها. الْمُمْتَنِعُ مِنَ الإَْبْصارِ رُؤْيِتُهُ، وَمِنَ اْلأَلْسُنِ صِفَتُهُ، وَمِنَ الأَوْهامِ كَيْفِيَّتُهُ. اِبْتَدَعَ الأَشَياءَ لا مِنْ شَيْءٍ كانَ قَبْلَها، وَأَنْشَأَها بِلا احْتِذاءِ أَمْثِلَةٍ امْتَثَلَها، كَوَّنَها بِقُدْرَتِهِ، وَذَرَأَها بِمَشِيَّتِهِ، مِنْ غَيْرِ حاجَةٍ مِنْهُ إلى تَكْوينِها، وَلا فائِدَةٍ لَهُ في تَصْويرِها إلاّ تَثْبيتاً لِحِكْمَتِهِ، وَتَنْبيهاً عَلى طاعَتِهِ، وَإظْهاراً لِقُدْرَتِهِ، وَتَعَبُّداً لِبَرِيَّتِهِ، وإِعزازاً لِدَعْوَتِهِ، ثُمَّ جَعَلَ الثَّوابَ على طاعَتِهِ، وَوَضَعَ العِقابَ عَلى مَعْصِيِتَهِ، ذِيادَةً لِعِبادِهِ عَنْ نِقْمَتِهِ، وَحِياشَةً مِنْهُ إلى جَنَّتِهِ.
وَأَشْهَدُ أنّ أبي مُحَمَّداً صلّى الله عليه وآله عبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اخْتارَهُ وَانْتَجَبَهُ قَبْلَ أَنْ أَرْسَلَهُ، وَسَمّاهُ قَبْلَ أنِ اجْتَبَلَهُ، وَاصْطِفاهُ قَبْلَ أنِ ابْتَعَثَهُ، إذِ الْخَلائِقُ بالغَيْبِ مَكْنُونَةٌ، وَبِسِتْرِ الأَْهاويل مَصُونَةٌ، وَبِنِهايَةِ الْعَدَمِ مَقْرُونَةٌ، عِلْماً مِنَ اللهِ تَعالى بِمآيِلِ الأُمُور، وَإحاطَةً بِحَوادِثِ الدُّهُورِ، وَمَعْرِفَةً بِمَواقِعِ الْمَقْدُورِ. ابْتَعَثَهُ اللهُ تعالى إتْماماً لأمْرِهِ، وَعَزيمَةً على إمْضاءِ حُكْمِهِ، وَإنْفاذاً لِمَقادِير حَتْمِهِ.
فَرَأى الأُمَمَ فِرَقاً في أدْيانِها، عُكَّفاً على نيرانِها، عابِدَةً لأَوثانِها، مُنْكِرَةً لله مَعَ عِرْفانِها. فَأَنارَ اللهُ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله ظُلَمَها، وكَشَفَ عَنِ القُلُوبِ بُهَمَها، وَجَلّى عَنِ الأَبْصارِ غُمَمَها، وَقَامَ في النّاسِ بِالهِدايَةِ، وأنقَذَهُمْ مِنَ الغَوايَةِ، وَبَصَّرَهُمْ مِنَ العَمايَةِ، وهَداهُمْ إلى الدّينِ القَويمِ، وَدَعاهُمْ إلى الطَّريقِ المُستَقيمِ.
ثُمَّ قَبَضَهُ اللهُ إليْهِ قَبْضَ رَأْفَةٍ وَاختِيارٍ، ورَغْبَةٍ وَإيثارٍ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله عَنْ تَعَبِ هذِهِ الدّارِ في راحةٍ، قَدْ حُفَّ بالمَلائِكَةِ الأبْرارِ، وَرِضْوانِ الرَّبَّ الغَفارِ، ومُجاوَرَةِ المَلِكِ الجَبّارِ. صلى الله على أبي نبيَّهِ وأَمينِهِ عَلى الوَحْيِ، وَصَفِيِّهِ وَخِيَرَتِهِ مِنَ الخَلْقِ وَرَضِيِّهِ، والسَّلامُ عَلَيْهِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ.
ثُمَّ التفتت إلى أهل المجلس وقالت:
أَنْتُمْ عِبادَ الله نُصْبُ أمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَحَمَلَةُ دينِهِ وَوَحْيِهِ، وِأُمَناءُ اللهِ عَلى أنْفُسِكُمْ، وَبُلَغاؤُهُ إلى الأُمَمِ، وَزَعَمْتُمْ حَقٌّ لَكُمْ للهِ فِيكُمْ، عَهْدٌ قَدَّمَهُ إِلَيْكُمْ، وَبَقِيَّةٌ استَخْلَفَها عَلَيْكُمْ. كِتابُ اللهِ النّاطِقُ، والقُرْآنُ الصّادِقُ، وَالنُّورُ السّاطِعُ، وَالضِّياءُ اللاّمِعُ، بَيِّنَةٌ بَصائِرُهُ، مُنْكَشِفَةٌ سَرائِرُهُ، مُتَجَلِّيَةٌ ظَواهِرُهُ، مُغْتَبِطَةٌ بِهِ أَشْياعُهُ، قائِدٌ إلى الرِّضْوانِ اتّباعُهُ، مُؤَدٍّ إلى النَّجاةِ إسْماعُهُ. بِهِ تُنالُ حُجَجُ اللهِ المُنَوَّرَةُ، وَعَزائِمُهُ المُفَسَّرَةُ، وَمَحارِمُهُ المُحَذَّرَةُ، وَبَيِّناتُهُ الجالِيَةُ، وَبَراهِينُهُ الكافِيَةُ، وَفَضائِلُهُ المَنْدوبَةُ، وَرُخَصُهُ المَوْهُوبَةُ، وَشَرايِعُهُ المَكْتُوبَةُ.
فَجَعَلَ اللهُ الإيمانَ تَطْهيراً لَكُمْ مِنَ الشِّرْكِ، وَالصَّلاةَ تَنْزِيهاً لَكُمْ عَنِ الكِبْرِ، والزَّكاةَ تَزْكِيَةً لِلنَّفْسِ وَنَماءً في الرِّزْق، والصِّيامَ تَثْبيتاً للإِخْلاصِ، والحَجَّ تَشْييداً لِلدّينِ، وَالعَدْلَ تَنْسيقاً لِلْقُلوبِ، وَطاعَتَنا نِظاماً لِلْمِلَّةِ، وَإمامَتَنا أماناً مِنَ الْفُرْقَةِ، وَالْجِهادَ عِزاً لِلإْسْلامِ، وَالصَّبْرَ مَعُونَةً عَلَى اسْتِيجابِ الأْجْرِ، وَالأْمْرَ بِالْمَعْرُوفِ مَصْلَحَةً لِلْعامَّةِ، وَبِرَّ الْوالِدَيْنِ وِقايَةً مِنَ السَّخَطِ، وَصِلَةَ الأَرْحامِ مَنْماةً لِلْعَدَدِ، وَالْقِصاصَ حِصْناً لِلدِّماءِ، وَالْوَفاءَ بِالنَّذْرِ تَعْريضاً لِلْمَغْفِرَةِ، وَتَوْفِيَةَ الْمَكاييلِ وَالْمَوَازينِ تَغْييراً لِلْبَخْسِ، وَالنَّهْيَ عَنْ شُرْبِ الْخَمْرِ تَنْزِيهاً عَنِ الرِّجْسِ، وَاجْتِنابَ الْقَذْفِ حِجاباً عَنِ اللَّعْنَةِ، وَتَرْكَ السِّرْقَةِ إيجاباً لِلْعِفَّةِ. وَحَرَّمَ الله الشِّرْكَ إخلاصاً لَهُ بالرُّبُوبِيَّةِ، {فَاتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إلا وَأنْتُمْ مُسْلِمُونَ} وَ أطيعُوا اللهَ فيما أمَرَكُمْ بِهِ وَنَهاكُمْ عَنْهُ، فَإنَّه {إنَّما يَخْشَى الله مِنْ عِبادِهِ العُلِماءُ}.
ثُمَّ قالت: أيُّها النّاسُ! اعْلَمُوا أنِّي فاطِمَةُ، وَأبي مُحمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، أَقُولُ عَوْداً وَبَدْءاً، وَلا أقُولُ ما أقُولُ غَلَطاً، وَلا أفْعَلُ ما أفْعَلُ شَطَطاً: {لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أنْفُسِكُمْ عَزيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَريصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤوفٌ رَحِيم} فَإنْ تَعْزُوه وَتَعْرِفُوهُ تَجِدُوهُ أبي دُونَ نِسائِكُمْ، وَأخا ابْنِ عَمَّي دُونَ رِجالِكُمْ، وَ لَنِعْمَ الْمَعْزِيُّ إلَيْهِ صَلى الله عليه وآله. فَبَلَّغَ الرِّسالَةَ صادِعاً بِالنِّذارَةِ، مائِلاً عَنْ مَدْرَجَةِ الْمُشْرِكِينَ، ضارِباً ثَبَجَهُمْ، آخِذاً بِأكْظامِهِمْ، داعِياً إلى سَبيلِ رَبِّهِ بِالحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنةِ، يَكْسِرُ الأَصْنامَ، وَيَنْكُتُ الْهامَ، حَتَّى انْهَزَمَ الْجَمْعُ وَوَلُّوا الدُّبُرَ، حَتّى تَفَرَّى اللَّيْلُ عَنْ صُبْحِهِ، وَأسْفَرَ الحَقُّ عَنْ مَحْضِهِ، وَنَطَقَ زَعِيمُ الدّينِ، وَخَرِسَتْ شَقاشِقُ الشَّياطينِ، وَطاحَ وَشيظُ النِّفاقِ، وَانْحَلَّتْ عُقَدُ الْكُفْرِ وَالشِّقاقِ، وَفُهْتُمْ بِكَلِمَةِ الإْخْلاصِ فِي نَفَرٍ مِنَ الْبيضِ الْخِماصِ، وَكُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النّارِ، مُذْقَةَ الشّارِبِ، وَنُهْزَةَ الطّامِعِ، وَقُبْسَةَ الْعَجْلانِ، وَمَوْطِئَ الأقْدامِ، تَشْرَبُونَ الطّرْقَ، وَتَقْتاتُونَ الْوَرَقَ، أذِلَّةً خاسِئِينَ، {تَخافُونَ أنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِكُمْ}.
فَأنْقَذَكُمُ اللهُ تَبارَكَ وَتَعالى بِمُحَمَّدٍ صَلى الله عليه وآله بَعْدَ اللّتَيّا وَالَّتِي، وَبَعْدَ أنْ مُنِيَ بِبُهَمِ الرِّجالِ وَذُؤْبانِ الْعَرَبِ وَمَرَدَةِ أهْلِ الْكِتابِ، {كُلَّما أوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أطْفَأها اللهُ}، أوْنَجَمَ قَرْنٌ لِلْشَّيْطانِ، وَفَغَرَتْ فَاغِرَةٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَذَفَ أخاهُ في لَهَواتِها، فَلا يَنْكَفِئُ حَتَّى يَطَأَ صِماخَها بِأَخْمَصِهِ، وِيُخْمِدَ لَهَبَهَا بِسَيْفِهِ، مَكْدُوداً في ذاتِ اللّهِ، مُجْتَهِداً في أمْرِ اللهِ، قَرِيباً مِنْ رِسُولِ اللّهِ سِيِّدَ أوْلياءِ اللّهِ، مُشْمِّراً ناصِحاً ، مُجِدّاً كادِحاً ـ وأَنْتُمْ فِي رَفاهِيَةٍ مِنَ الْعَيْشِ، وَادِعُونَ فاكِهُونَ آمِنُونَ، تَتَرَبَّصُونَ بِنا الدَّوائِرَ، وتَتَوَكَّفُونَ الأَخْبارَ، وَتَنْكُصُونَ عِنْدَ النِّزالِ، وَتَفِرُّونَ عِنْدَ القِتالِ.
فَلَمَّا اخْتارَ اللّهُ لِنَبِيِّهِ دارَ أنْبِيائِهِ وَمَأْوى أصْفِيائِهِ، ظَهَرَ فيكُمْ حَسيكَةُ النِّفاقِ وَسَمَلَ جِلبْابُ الدّينِ، وَنَطَقَ كاظِمُ الْغاوِينِ، وَنَبَغَ خامِلُ الأَقَلِّينَ، وَهَدَرَ فَنيقُ الْمُبْطِلِين.
فَخَطَرَ فِي عَرَصاتِكُمْ، وَأَطْلَعَ الشيْطانُ رَأْسَهُ مِنْ مَغْرِزِهِ، هاتفاً بِكُمْ، فَأَلْفاكُمْ لِدَعْوَتِهِ مُسْتَجيبينَ، وَلِلْغِرَّةِ فِيهِ مُلاحِظِينَ. ثُمَّ اسْتَنْهَضَكُمْ فَوَجَدَكُمْ خِفافاً، وَأَحْمَشَكُمْ فَأَلْفاكَمْ غِضاباً، فَوَسَمْـتُمْ غَيْرَ اِبِلِكُمْ، وَأَوْرَدْتُمْ غَيْرَ شِرْبِكُمْ، هذا وَالْعَهْدُ قَريبٌ، وَالْكَلْمُ رَحِيبٌ، وَالْجُرْحُ لَمّا يَنْدَمِلْ، وَالرِّسُولُ لَمّا يُقْبَرْ، ابْتِداراً زَعَمْتُمْ خَوْفَ الْفِتْنَةِ، {ألا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَانَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطةٌ بِالْكافِرِينَ}.
فَهَيْهاتَ مِنْكُمْ، وَكَيْفَ بِكُمْ، وَأَنَى تُؤْفَكُونَ؟ وَكِتابُ اللّه بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، أُمُورُهُ ظاهِرَةٌ، وَأَحْكامُهُ زاهِرَةٌ، وَأَعْلامُهُ باهِرَةٌ، وَزَواجِرُهُ لائِحَةٌ، وَأوامِرُهُ واضِحَةٌ، قَدْ خَلَّفْتُمُوهُ وَراءَ ظُهُورِكُمْ، أرَغَبَةً عَنْهُ تُرِيدُونَ، أمْ بِغَيْرِهِ تَحْكُمُونَ، {بِئْسَ لِلظّالِمِينَ بَدَلاً} {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ ديناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ}. ثُمَّ لَمْ تَلْبَثُوا الاّ رَيْثَ أنْ تَسْكُنَ نَفْرَتُها، وَيَسْلَسَ قِيادُها ثُمَّ أَخّذْتُمْ تُورُونَ وَقْدَتَها، وَتُهَيِّجُونَ جَمْرَتَها، وَتَسْتَجِيبُونَ لِهِتافِ الشَّيْطانِ الْغَوِيِّ، وَاطْفاءِ أنْوارِالدِّينِ الْجَلِيِّ، وَاهْمادِ سُنَنِ النَّبِيِّ الصَّفِيِّ، تُسِرُّونَ حَسْواً فِي ارْتِغاءٍ، وَتَمْشُونَ لأَهْلِهِ وَوَلَدِهِ فِي الْخَمَرِ وَالْضَّراءِ، وَنَصْبِرُ مِنْكُمْ عَلى مِثْلِ حَزِّ الْمُدى، وَوَخْزِ السِّنانِ فِي الحَشا، وَأَنْـتُمْ تزْعُمُونَ ألاّ ارْثَ لَنا، {أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ تَبْغُونَ وَمَنْ أحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} أفَلا تَعْلَمُونَ؟ بَلى تَجَلّى لَكُمْ كَالشَّمْسِ الضّاحِيَةِ أنّيِ ابْنَتُهُ.
أَيُهَا الْمُسْلِمونَ أاُغْلَبُ عَلى ارْثِيَهْ يَا ابْنَ أبي قُحافَةَ! أفي كِتابِ اللّهِ أنْ تَرِثَ أباكَ، وِلا أرِثَ أبي؟ {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً فَرِيًّا}، أَفَعَلى عَمْدٍ تَرَكْتُمْ كِتابَ اللّهِ، وَنَبَذْتُمُوهُ وَراءَ ظُهُورِكُمْ اذْ يَقُولُ: {وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ}، وَقالَ فيمَا اخْتَصَّ مِنْ خَبَرِ يَحْيَي بْنِ زَكَرِيّا عليهما السلام اذْ قالَ رَبِّ {هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِياًّ يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} وَقَالَ: {وَاُولُوا الأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّه} وَقالَ: {يُوصِكُمُ اللّهُ في أوْلادِكُمْ لِلذكَرِ مِثْلُ حَظِّ الاُنْثَيَيْنِ} وقال: {انْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ والْأَقْرَبِبنَ بِالْمعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ}. وزَعَمْتُمْ أَلَا حِظوَةَ لِي، وَلا إرْثَ مِنْ أبي ولارَحِمَ بَيْنَنَا!
أَفَخَصَّكُمُ اللهُ بِآيَةٍ أخْرَجَ مِنْها أبِي؟ أمْ هَلْ تَقُولونَ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ لا يَتَوارَثَانِ، أوَ لَسْتُ أَنَا وَأَبِي مِنْ أَهْلِ مِلَّةٍ واحِدَةٍ؟! أَمْ أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِخُصُوصِ الْقُرْآنِ وَعُمُومِهِ مِنْ أَبِي وَابْنِ عَمّي؟ فَدُونَكَها مَخْطُومَةً مَرْحُولَةً، تَلْقاكَ يَوْمَ حَشْرِكَ، فَنِعْمَ الْحَكَمُ اللهُ، وَالزَّعِيمُ مُحَمَّدٌ، وَالْمَوْعِدُ الْقِيامَةُ، وَعِنْدَ السّاعَةِ يخسَرُ المبطلون، وَلا يَنْفَعُكُمْ إذْ تَنْدَمُونَ، {وَلِكُلِّ نَبَأٍ مُسْتَقَرٌ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ}
ثُمَّ رَمَتْ بِطَرْفِها نَحْوَ الْأَنْصارِ فَقالَتْ:
يا مَعاشِرَ الْفِتْيَةِ، وَأَعْضادَ الْمِلَّةِ، وَأنْصارَ الْإِسْلامِ! ما هذِهِ الْغَمِيزَةُ فِي حَقِّي؟ وَالسِّنَةُ عَنْ ظُلامَتِي؟ أما كانَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله علبه وآله أبِي يَقُولُ: "اَلْمَرْءُ يُحْفَظُ فِي وُلْدِهِ"؟ سَرْعانَ ما أَحْدَثْتُمْ، وَعَجْلانَ ذا إهالَةً، وَلَكُمْ طاقَةٌ بِما اُحاوِلُ، وَقُوَّةٌ عَلى ما أَطْلُبُ وَاُزاوِلُ!
أَتَقُولُونَ ماتَ مُحَمَّدٌ صلّى الله عليه وآله؟! فَخَطْبٌ جَليلٌ اسْتَوْسَعَ وَهْيُهُ، وَاسْتَنْهَرَ فَتْقُهُ، وَانْفَتَقَ رَتْقُهُ، وَأَظْلَمَتِ الْأَرْضُ لِغَيْبَتِهِ، وَكُسِفَتِ النُّجُومُ لِمُصِيبَتِهِ، وَأَكْدَتِ الْآمالُ، وَخَشَعَتِ الْجِبالُ، وَاُضيعَ الْحَرِيمُ، وَاُزيلَتِ الْحُرْمَةُ عِنْدَ مَماتِهِ. فَتِلْكِ وَاللهِ النّازلَةُ الْكُبْرى، وَالْمُصيبَةُ الْعُظْمى، لا مِثْلُها نازِلَةٌ وَلا بائِقَةٌ عاجِلَةٌ أعْلَنَ بِها كِتابُ اللهِ -جَلَّ ثَناؤُهُ- فِي أَفْنِيَتِكُمْ فِي مُمْساكُمْ وَمُصْبَحِكَمْ هِتافاً وَصُراخاً وَتِلاوَةً وَإلحاناً، وَلَقَبْلَهُ ما حَلَّ بِأنْبِياءِ اللهِ وَرُسُلِهِ، حُكْمٌ فَصْلٌ وَقَضاءٌ حَتْمٌ: {وَما مُحَمَّدٌ إلاّ رَسولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإنْ ماتَ أَو قُتِلَ انقلَبْتُمْ على أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشّاكِرينَ}.
أيْهاً بَنِي قَيْلَةَ! أاُهْضَمُ تُراثَ أبِيَهْ وَأنْتُمْ بِمَرْأى مِنّي وَمَسْمَعٍ، ومُبْتَدأٍ وَمَجْمَعٍ؟! تَلْبَسُكُمُ الدَّعْوَةُ، وتَشْمُلُكُمُ الْخَبْرَةُ، وَأنْتُمْ ذَوُو الْعَدَدِ وَالْعُدَّةِ، وَالأَداةِ وَالْقُوَّةِ، وَعِنْدَكُمُ السِّلاحُ وَالْجُنَّةُ؛ تُوافيكُمُ الدَّعْوَةُ فَلا تُجِيبُونَ، وَتَأْتيكُمُ الصَّرْخَةُ فَلا تُغيثُونَ، وَأنْتُمْ مَوْصُوفُونَ بِالْكِفاحِ، مَعْرُفُونَ بِالْخَيْرِ وَالصَّلاحِ، وَالنُّجَبَةُ الَّتي انْتُجِبَتْ، وَالْخِيَرَةُ الَّتِي اخْتيرَتْ! قاتَلْتُمُ الْعَرَبَ، وَتَحَمَّلْتُمُ الْكَدَّ وَالتَّعَبَ، وَناطَحْتُمُ الاُْمَمَ، وَكافَحْتُمً الْبُهَمَ، فَلا نَبْرَحُ أو تَبْرَحُونَ، نَأْمُرُكُمْ فَتَأْتَمِرُونَ حَتَّى دَارَتْ بِنا رَحَى الإْسْلامِ، وَدَرَّ حَلَبُ الأَيّامِ، وَخَضَعَتْ نُعَرَةُ الشِّرْكِ، وَسَكَنَتْ فَوْرَةُ الإْفْكِ، وَخَمَدَتْ نيرانُ الْكُفْرِ، وهَدَأتْ دَعْوَةُ الْهَرْجِ، وَاسْتَوْسَقَ نِظامُ الدِّينِ؛ فَأَنّى جُرْتُمْ بَعْدَ الْبَيانِ، وَأَسْرَرْتُمْ بَعْدَ الإْعْلانِ، وَنَكَصْتُمْ بَعْدَ الإْقْدامِ، وَأشْرَكْتُم ْبَعْدَ الإْيمانِ؟ {ألا تُقاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أيْمانَهُمْ وَهَمُّوا بِإخْراجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَداؤُكُمْ أوَّلَ مَرَّةٍ أتَخْشَوْهُمْ فَاللهُ أحَقُّ أنْ تَخْشَوْهُ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}.
أَلا قَدْ أرى أنْ قَدْ أَخْلَدْتُمْ إلَى الْخَفْضِ، وَأبْعَدْتُمْ مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِالْبَسْطِ وَالْقَبْضِ، وَخَلَوْتُمْ بِالدَّعَةِ، وَنَجَوْتُمْ مِنَ الضِّيقِ بِالسَّعَةِ، فَمَجَجْتُمْ ما وَعَيْتُمْ، وَدَسَعْتُمُ الَّذِي تَسَوَّغْتُمْ، {فَإنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الأْرْضِ جَمِيعاً فَإنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ}. ألا وَقَدْ قُلْتُ ما قُلْتُ عَلى مَعْرِفَةٍ مِنّي بِالْخَذْلَةِ الَّتِي خامَرَتْكُمْ، وَالغَدْرَةِ التِي اسْتَشْعَرَتْها قُلُوبُكُمْ، وَلكِنَّها فَيْضَةُ النَّفْسِ، وَنَفْثَةُ الْغَيْظِ، وَخَوَرُ الْقَنا، وَبَثَّةُ الصُّدُورِ، وَتَقْدِمَةُ الْحُجَّةِ.
فَدُونَكُمُوها فَاحْتَقِبُوها دَبِرَةَ الظَّهْرِ، نَقِبَةَ الْخُفِّ، باقِيَةَ الْعارِ، مَوْسُومَةً بِغَضَبِ اللهِ وَشَنارِ الْأَبَدِ، مَوْصُولَةً بِنارِ اللهِ الْمُوقَدَةِ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ. فَبعَيْنِ اللهِ ما تَفْعَلُونَ {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}، وَأَنَا ابْنَةُ نَذِيرٍ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَديدٍ، {فَاعْمَلُوا إنّا عامِلُونَ وَانْتَظِرُوا إنّا مُنْتَظِرُونَ}.
جواب الخليفة ابوبكر (عَبْدُاللهِ بْنُ عُثْمانَ).
فَقَالَ: يَا ابْنَةَ رَسُولِ اللهِ، لَقَدْ كانَ أَبُوكِ بالمُؤْمِنِينَ عَطُوفاً كَريماً، رَؤُوفاً رَحِيماً، وَعَلىَ الْكافِرِينَ عَذاباً ألِيماً وَعِقاباً عَظِيماً ؛ فَإنْ عَزَوْناهُ وَجَدْناهُ أباكِ دُونَ النِّساءِ، وَأَخاً لِبَعْلِكِ دُونَ الْأَخِلاّءِ، آثَرَهُ عَلى كُلِّ حَمِيمٍ، وَساعَدَهُ فِي كُلِّ أمْرٍ جَسيمٍ، لا يُحِبُّكُمْ إلّا كُلُّ سَعِيدٍ، وَلا يُبْغِضُكُمْ إلّا كُلُّ شَقِيٍّ؛ فَأَنْتُمْ عِتْرَةُ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وآله الطَّيِّبُونَ، وَالْخِيَرَةُ الْمُنْتَجَبُونَ، عَلَى الْخَيْرِ أَدِلَّتُنا، وَإلَى الْجَنَّةِ مَسالِكُنا، وَأَنْتِ -يا خَيْرَةَ النِّساءِ وَابْنَةَ خَيْرِ الْأنْبِياءِ- صادِقَةٌ فِي قَوْلِكَ، سابِقَةٌ فِي وُفُورِ عَقْلِكِ، غَيْرُ مَرْدُودَةٍ عَنْ حَقِّكِ، وَلا مَصْدُودَةٍ عَنْ صِدْقِكِ، وَوَاللهِ، ما عَدَوْتُ رَأْيَ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وآله يَقُولُ: ((نَحْنُ مَعاشِرَ الْأَنْبِياءِ لا نُوَرِّثُ ذَهَباً وَلا فِضَّةً وَلا داراً وَلا عِقاراً، وَإنَّما نُوَرِّثُ الْكُتُبَ وَالْحِكْمَةَ، وَالْعِلْمَ وَالنُّبُوَّةَ، وَما كانَ لَنا مِنْ طُعْمَةٍ فَلِوَلِيِّ الْأَمْرِ بَعْدَنا أنْ يَحْكُمَ فِيهِ بِحُكْمِهِ)).
وَقَدْ جَعَلْنا ما حاوَلْتِهِ فِي الكُراعِ وَالسِّلاحِ يُقابِلُ بِهِ الْمُسْلِمُونَ، وَيُجاهِدُونَ الْكُفّارَ، وَيُجالِدُونَ الْمَرَدَةَ ثُمَّ الْفُجّارَ، وَذلِكَ بِإجْماعٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ أَتَفَرَّدْ بِهِ وَحْدِي، وَلَمْ أَسْتَبِدَّ بِما كانَ الرَّأْيُ فِيهِ عِنْدِي. وَهذِهِ حالي، وَمالي هِيَ لَكِ وَبَيْنَ يَدَيْكِ، لانَزْوي عَنْكِ وَلا نَدَّخِرُ دُونَكِ، وَأَنْتِ سَيِّدَةُ اُمَّةِ أبِيكِ، وَالشَّجَرَةُ الطَّيِّبَةُ لِبَنِيكِ، لا يُدْفَعُ ما لَكِ مِنْ فَضْلِكِ، وَلا يُوضَعُ مِنْ فَرْعِكِ وَأَصْلِكِ؛ حُكْمُكِ نافِذٌ فِيما مَلَكَتْ يَداي، فَهَلْ تَرينَ أَنْ اُخالِفَ فِي ذلِكِ أباكِ صلّى الله عليه وآله؟
رد السيدة الزهراء(ع) على الخليفة ابوبكر:
فَقَالَتْ عليها السلام: سُبْحانَ اللهِ! ما كانَ رَسُولُ اللهِ صلّى الله عليه وآلهِ عَنْ كِتابِ الله صادِفاً، وَلا لِأَحْكامِهِ مُخالِفاً، بَلْ كانَ يَتَّبعُ أَثَرَهُ، وَيَقْفُو سُورَهُ، أَفَتَجْمَعُونَ إلى الْغَدْرِ اْغتِلالاً عَلَيْهِ بِالزُّورِ؛ وَهذا بَعْدَ وَفاتِهِ شَبِيهٌ بِما بُغِيَ لَهُ مِنَ الْغَوائِلِ فِي حَياتِهِ. هذا كِتابُ اللهِ حَكَماً عَدْلاً، وَناطِقاً فَصْلاً، يَقُولُ: {يَرِثُني وَيَرِثُ مَنْ آلِ يَعْقوبَ} ،{وَوَرِثَ سُلَيْمانَ داوُدَ} فَبَيَّنَ عَزَّ وَجَلَّ فيما وَزَّعَ عَلَيْهِ مِنَ الأَقْساطِ، وَشَرَّعَ مِنَ الفَرايِضِ وَالميراثِ، وَأَباحَ مِنْ حَظَّ الذُّكْرانِ وَالإِناثِ ما أَزاحَ عِلَّةَ المُبْطِلينَ، وأَزالَ التَّظَنّي وَالشُّبُهاتِ في الغابِرينَ، كَلاّ {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُم أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَميلٌ وَاللهُ المُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفونَ}.
فَقالَ أَبو بَكْرٍ:
صَدَقَ اللهُ وَرَسولُهُ، وَصَدَقَتِ ابْنَتَهُ؛ أَنْتِ مَعْدِنُ الحِكْمَةِ، وَمَوْطِنُ الهُدى وَالرَّحْمَةِ، وَرُكْنُ الدِّينِ وَعَيْنُ الحُجَّةِ، لا أُبْعِدُ صوابَكِ، وَلا أُنْكِرُ خِطابَكِ هؤلاءِ المُسْلِمونَ بَيْنِيَ وبَيْنَكِ، قَلَّدوني ما تَقَلَّدْتُ، وَباتِّفاقٍ مِنْهُمْ أَخَذْتُ ما أَخَذْتُ غَيْرَ مُكابِرٍ وَلا مُسْتَبِدٍّ وَلا مُسْتَأْثِرٍ، وِهُمْ بِذلِكَ شُهودٌ.
جواب الزهراء:
فَالتَفَتَتْ فاطِمَةُ عَلَيْها السَّلام وَقالَتْ: مَعاشِرَ النّاسِ المُسْرِعَةِ إِلى قِيلِ الباطِلِ، المُغْضِيَةِ عَلى الفِعْلِ القَبيحِ الخاسِرِ {أَفَلا يَتَدَبَّرونَ القُرآنَ أَمْ عَلى قُلوبِهِم أَقْفالُها} كَلاّ بَلْ رانَ عَلى قُلوبِكُمْ ما أَسَأتُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ، فَأَخَذَ بِسَمْعِكُمْ وَأَبْصارِكُمْ، وَلَبِئْسَ ما تَأَوَّلْتُمْ، وَساءَ ما أَشَرْتُمْ، وشَرَّ ما مِنْهُ اعتَضْتُمْ، لَتَجِدَنَّ وَاللهِ مَحْمِلَهُ ثَقيلاً، وَغِبَّهُ وَبيلاً إِذا كُشِفَ لَكُمُ الغِطاءُ، وَبانَ ما وَراءَهُ الضَراءُ، {وَبَدا لَكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ ما لَمْ تَكونوا تَحْتَسِبونَ} وَ {خَسِرَ هُنالِكَ المُبْطِلونَ}.
ثُمَّ عَطَفَتْ عَلى قَبْرِ النَّبِيِّ صلّى اللهُ عَلَيْهِ وآلِه وَقالَتْ:
قَدْ كان بَعْدَكَ أَنْباءٌ وَ هَنْبَثَــةٌ * لَوْ كُنْتَ شاهِدَها لَمْ تَكْبُرِ الخَطْبُ
إِنّا فَقَدْناكَ فَقْدُ الأَرْضِ وابِلُهـا * وَاخْتَلَّ قَوِمُكَ فَاشْهَدْهُمْ وَقَدْ نَكِبوا
وَكُلُّ أَهْلٍ لَهُ قُرْبى وَمَنْزِلَـــةٌ * عِنْدَ الإِلهِ عَلَى الأَدْنَيْنِ مُقْتَــرِبُ
أَبْدَتْ رِجالٌ لَنا نَجْوى صُدورِهِمِ * لَمّا مَضَيْتَ وَحالَتْ دونَكَ التُّرَبُ
تَجَهَّمَتْنا رِجالٌ واسْتُخفَّ بِنـا * لَمّا فُقِدْتَ وَكُلُّ الأَرْضِ مُغْتَصَـبُ
وَكُنْتَ بَدْراً وَنُوراً يُسْتَضاءُ بِـهِ * عَلَيْكَ تُنْزَلُ مِنْ ذي العِزَّةِ الكُتُـبِ
وَكانَ جِبْريلُ بِالآياتِ يونِسُنـا * فَقَدْ فُقِدْتَ فَكُلُّ الخَيْرِ مُحْتَجِـبٌ
فَلَيْتَ قَبْلَكَ كانَ المَوْتُ صادَفَنـا * لِما مَضَيْتَ وَحالَتْ دونَكَ الكُتُبُ
إِنّا رُزِئْنا بِما لَمْ يُرْزَ ذُو شَجَـنٍ * مِنَ البَرِيَّةِ لا عُجْمٌ وَلا عَــرَبُ
ثُمَّ انْكَفَأَتْ عليها السلام وأميرُ المُؤْمِنِينَ عليه السلام يَتَوَقَّعُ رُجُوعَها إليْهِ، وَيَتَطَلَّعُ طُلُوعَها عَلَيْهِ، فَلَمَّا اسْتَقَرَّتْ بِها الدّارُ قالتْ لأميرِ المُؤمنينَ عليه السلام: يا ابْنَ أبِي طالِب! اشْتَمَلْتَ شِمْلَةَ الجَنِينِ، وَقَعَدْتَ حُجْرَةَ الظَّنينِ! نَقَضْتَ قادِمَةَ الأَجْدِلِ، فَخانَكَ ريشُ الأَعْزَلِ؛ هذا ابْنُ أبي قُحافَةَ يَبْتَزُّنِي نُحَيْلَةَ أبي وَبُلْغَةَ ابْنِي، لَقَدْ أجْهَرَ في خِصامِي، وَالفَيْتُهُ أَلَدَّ في كَلامِي، حَتَّى حَبَسَتْنِي قَيْلَةُ نَصْرَها، وَالمُهاجِرَةُ وَصْلَها، وَغَضَّتِ الجَماعَةُ دُونِي طَرْفَها؛ فَلا دافِعَ وَلا مانِعَ، خَرَجْتُ كاظِمَةً، وَعُدْتُ راغِمَةً، أَضْرَعْتَ خَدَّكَ يَوْمَ أَضَعْتَ حَدَّكَ، إِفْتَرَسْتَ الذِّئابَ، وَافْتَرَشْتَ التُّرابَ، ما كَفَفْتُ قائِلاً، وَلا أَغْنَيْتُ باطِلاً، وَلا خِيارَ لي، لَيْتَنِي مِتُّ قَبلَ هَنِيَّتِي وَدُونَ زَلَّتِي [ذِلَّتي]، عَذيريَ اللهُ مِنْكَ عادِياً وَمِنْكَ حامِياً. وَيْلايَ في كُلِّ شارِقٍ، ماتَ الْعَمَدُ، وَوَهَتِ الْعَضُدُ. شَكْوايَ إلى أبي، وَعَدْوايَ إلى رَبِّي. اللّهُمَّ أنْتَ أشَدُّ قُوَّةً وَحَوْلاً، وَأحَدُّ بَأْساً وَتَنْكِيلاً.
فَقالَ أمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام: لا وَيْلَ عَلَيْكِ، الْوَيْلُ لِشانِئِكِ، نَهْنِهي عَنْ وَجْدِكِ يَا ابْنَةَ الصَّفْوَةِ وَبَقِيَّةَ النُّبُوَّةِ، فَما وَنَيْتُ عَنْ ديِني، وَلا أَخْطَأْتُ مَقْدُوري، فَإنْ كُنْتِ تُريدينَ الْبُلْغَةَ فَرِزْقُكِ مَضْمُونٌ، وَكَفيلُكِ مَأمُونٌ، وَما أعَدَّ لَكِ أفْضَلُ ممّا قُطِعَ عَنْكِ، فَاحْتَسِبِي اللهَ، فَقالَتْ: حَسْبِيَ اللهُ، وَأمْسَكَتْ.
خاتمــــــة.
ان المعارضة السلمية التي اسّستها السيدة الزهراء(ع) على ركائز دينية ومعرفية وبعيداً عن الأنانية والمصلحة الشخصية وبوسائل إعلامية تعتمد الحجة والبرهان والدليل والحوار المباشر دون إنفعال او عصبية ... تفتح الطريق لنا باعتماد الحوار أولا قبل استعمال السيف والعصا خاصة بمواجهة الأخوة في الدين وفق المبدأ الديني الذي يؤكد على عدم البدء بالقتال مع ضرورة عدم التنازل عن الحق حتى لو لم نستطع استرجاعه فالواجب الشرعي والأخلاقي عدم التنازل وعدم تبرئة المذنب او الظالم وترك المجال للأجيال القادمة لاستعادة حقوقها عندما تمتلك القوة والإمكانيات وفي أسوأ الأحوال إبقاء هذا الحق ديناً خطيئة وذنباً في اعناق الآخرين ليوم الحساب لاسترجاعه وعقاب الظالم كما وعد الله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم (ص) ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ ﴾ ( سورة إبراهيم -آية42).
والحد لله رب العالمين.
20 جمادى الأول 1443 هجرية الموافق 24 كانون اول 2021.