معارك حلب تقاعس ام تكتيك روسي
د.نسيب حطيط
مع بدايات السنة السادسة للحرب على سوريا ومحاولات قيام حل سياسي عبر المفاوضات السورية – السورية باشراف دولي ورعاية ثنائية أميركية – روسية عبر تجربة الهدنة المتنقلة والمؤقتة بين الدولة السورية والدول الإقليمية والغربية عبر جماعات المعارضة المسلحة فإن حلب تشكل قطب الرحى وبوصلة الحل في سوريا وإتجاهاته ونتائج الأزمة السورية ومستقبل النظام والجماعات المسلحة التكفيرية منها والرديفة في ظل غياب معارضة سورية مستقلة عن دول الإقليم خاصة تركيا والسعودية والعدو الإسرائيلي وحتى ان مستقبل العلاقة الأميركية الروسية في الرعاية الثنائية للحلول في منطقة الشرق الأوسط وتمثل ترسيخاً للوجود الروسي في سوريا والمنطقة.
إذا استطاعت الدولة السورية وحلفائها من استرجاع حلب وريفها فإن ذلك يمثل نقلة نوعية لقرير مستقبل سوريا السياسي والجغرافي ويؤكد وحدة سوريا السياسية والجغرافية دون تقسيم أو فيدرالية وسيعيد النظام وقواه الأمنية السيطرة على العاصمة الإقتصادية (حلب) ويمسك بالعاصمتين السياسية (دمشق) والإقتصادية (حلب) وما بينهما ويخرج من نفق الأحداث منتصراً حتى لو بقيت بادية الرقة ودير الزور بيد النصرة وداعش.
أما إذا استطاعت الجماعات التكفيرية بدعم من تركيا والسعودية السيطرة على حلب ستجعل منهما نداً للدولة السورية في المفاوضات ويهدد الكيان السياسي لسوريا مع الرغبة والإلحاح التركي عبر أردوغان بالسيطرة على حلب مهما كان الثمن لكن الأحداث التي وقعت خلال الأسبوعين الماضيين أثارت عدة تساؤلات وتحليلات حول الموقف الروسي والتباين بين الموقف السوري – الإيراني والموقف الروسي والذي ظهر في مسألة تحديد الأولويات حيث يصر الرئيس بشار الأسد على استرجاع حلب قبل الرقة ودير الزور ويدعمه الإيرانيون في ذلك فيما يضغط الروس للتوجه نحو الرقة ودير الزور وترك حلب ضمن إتفاقية الهدنة التي ترعاها روسيا وأميركا ويتجلى الضغط الروسي بعدم الدعم الجوي في معركة خان طومان التي خرق المسلحون فيها الهدنة وقبلها الهجوم على حلب لتثبيت واقع جديد قبل عودة المفاوضات في جنيف وللإمساك بمدينة حلب او التوسع فيها وحصار النظام بدلاً من محاصرة النظام للمسلحين.
والسؤال هل ان خلافاً حقيقياً قد ظهر بين الموقفين السوري والإيراني والروسي ؟ ام انه تكتيك ومناورة روسية؟
لا بد من الإنطلاق من ثابتة أساسية انه لا مجال لتفكك التحالف السوري – الروسي – الإيراني خاصة في الأعوام القادمة بسبب تقاطع المصالح للأطراف الثلاثة التي تعرف ان هذا التحالف يحمي مصالحها بالتناسب وانها ستخسر مجتمعة او منفردة في حال كسر هذا التحالف فالجميع بحاجة للجميع ولذا فإن تفتت هذا التحالف مستحيل في الظروف الحالية لكن يمكن لهذه الأطراف الإختلاف والتباين في وجهات النظر حول الخطط الميدانية والسياسية وفق أولوياتها.
إن الخلل في الإتفاق الروسي – الأميركي هو تنفيذ الروس لتعهداتهم بالإمتناع عن تأمين الغطاء الجوي للجيش السوري في إندفاعه نحو جبهات المسلحين والضغط السياسي عليه والتسريب بأن الرئيس الأسد ليس حليفاً لهم كما الأتراك مع حلف الناتو مقابل عدم تنفيذ الأميركيين تعهداتهم بالضغط على تركيا لمنع تسلل المسلحين والعتاد إلى سوريا او الضغط على السعودية وحلفائها لتجميد المساعدات للمعارضة التكفيرية وهذا ما عرض سوريا وحلفائها للغدر عبر استغلال (الهدنة) لتحشيد المعارضة والهجوم على حلب وريفها ويمكن ان يتكرر في درعا او غوطة دمشق لكن لا بد من لفت الإنتباه إلى ان أي هزيمة لسوريا وحلفائها في الميدان نتيجة التقاعس او التكتيك الروسي سيرتد على روسيا مباشرة لأنها تدين في استعادة دورها الدولي إلى سوريا وحلفائها بعد إلتحاقها بهذا المحور بعد أربع سنوات من بدء الأزمة وقد حصدت الغنائم السياسية والعسكرية الإستراتيجية الكبرى وإذا كانت روسيا تحاول التوازن بين (الشيعة والسنة) بالمعطى السياسي خوفاً من تفجير الجمهوريات الروسية الإسلامية فلا بد من التذكير ان أحداث الشيشان سبقت الأزمة السورية وكذلك جورجيا ولذا فإن اليد الأميركية المسماة داعش أو القاعدة وغيرها لن تكف شرها عن روسيا سواء ناصرت محور المقاومة او خذلته.