من ينقذ السعودية من مآزقها
د.نسيب حطيط جريدة الثبات
اعتمدت السعودية خلال العقود الماضية سياسة السلحفاة البطيئة والهادئة والناعمة، ورسّخت في الإعلام صورة مملكة الخير والمكرمات والعطاءات، حتى كادت هذه المصطلحات خاصة ومحتكرة من قبَل المملكة، وانتهجت سياسة الحرب بالمال لفرض سياساتها وقراراتها على الجميع بدون استثناء، حتى على بعض الدول الغربية، وخالفت بعض قوانين هذه الدول، وفرضت رؤيتها الاجتماعية، وخضع البعض لها طمعاً بمالها وصفقات الأسلحة، وتجاوزوا بعض المرات ما يسمى "الرأي العام المدني" عندهم، والذي قام بالاحتجاج على التصرفات السعودية خصوصاً، والخليجية عموماً.
انتقلت المملكة فيما بعد لخوض الحروب بالواسطة - باستدراج أميركي - لمقاتلة السوفيات في أفغانستان، وكانت الوسيلة والأداة ما عُرف بـ"القاعدة" و"الأفغان العرب"، ثم بالتزامن دعمت الرئيس العراقي صدام حسين في حربه ضد إيران مدة عشر سنوات، ثم بدأت تتدخل بشكل مباشرمع بداية "الربيع العربي" المشؤوم، عبر الجماعات التكفيرية المتعددة الجنسيات والأسماء، ولم تثبت على موقف موحَّد، فوقفت ضد إسقاط الأنظمة الحليفة لها، وحرّمت المظاهرات؛ كما حصل في مصر وتونس،لكنها دعمت الحراك المسلَّح في سورية لإسقاط النظام، وحشدت الفتاوى والسلاح والمال وكل ما تستطيع، وانتقلت المملكة إلى المرحلة الخطيرة ودائرة النار، حيث خلعت المملكة العباءة والعقال وارتدت البزة العسكرية، وغزت اليمن لتقاتل مباشرة وتقلّد الآخرين، خصوصاًإيران وتركيا، اللتين تعتبرهما منافسين على مستوى الإقليم.. وكانت الكارثة السعودية والمأزق الذي لم ينتهِ بعد.
تراكمت الهزائم السعودية والفشل والخيبة من الحلفاء والأدوات، فلا الحلفاء دفعوا بجنودهم وجيوشهم إلى اليمن عبر "التحالف الإسلامي" الذي أعلنته، ولا "التحالف العربي" المزعوم استمر على قيد الحياة، واقتصر على التحالف الخليجي الذي انفرط عقده، فانسحبت قطر، وتنافست الإمارات مع المملكة في بسط السيطرة على جنوب اليمن وجزر اليمن..والكارثة الكبرى هو تفجُّر العائلة المالكة التي حافظت على وحدتها ظاهرياً على الأقل مدة قرنين من الزمن.
وفي إحصائية للهزائم السعودية حتى الآن، والتي من المرجَّح ان تتزايد وتكبر وتتوسع:
1- خسارة مقعد زعامة العالم الإسلاميوالعربي.
2- خسارة مجلس التعاون الخليجي، بعد انقسامه وتشتته.
3- خسارة التحالف القطري - السعودي،والذي شكّل الرافعة الأساسية لحركات التكفير والربيع الدموي في العالم العربي.
4- خسارة العراق، والخروج منه، ومحاولات الاسترضاء الملكية للحكومة والأطراف العراقية.
5- الخروج من دائرة التأثير في سورية،بالرغم منأنها تُمسك ببعض المعارضة المشتتة والمستأجرة المسماة "منصة الرياض".
6- تفجير المنصة السياسية السعودية في لبنان بعملية انتحارية قادتها السعودية، وقسّمت حلفاءها في لبنان، وحاصرت وأخرجت نفسها بدل أن تحاصر وتُخرج المقاومة.
7- تناحر العائلة المالكة مع نفسها، فاعتقلت أمراءها ورجال أعمالها وإعلامها، وأظهرت نفسها مرتبكة وخائفة وغير مستقرة.
8- أعلنت نفسها بلسان ولي عهدها وأجهزتها أنها مملكة تعوم على الفساد وسرقة أموال الشعب وثرواته الوطنية بيَد الأمراء وبعض البطانة والمحظيين طوال عقود، وأنها اعتقلت أبناءها لاسترجاع المسروقات، ما يعني أنها قبضت على لصوص يسرقون أموال الشعب، وهذا لم يتجرأ أحد في الداخل السعودي أو خارجهأن يقول أويمارس هذا الفعل الموصوف بالجرأة إلى حد الانتحار.
9- لقد خسرت السعودية "وجهها المعادي" للكيان الصهيوني، بعد لقاءات مسؤولين وأمراء متقاعدين أو مازالوا في الخدمة، مع مسؤولين "إسرائيليين"، ولا يتوقف الوزراء والمسؤولون الصهاينة عن تأكيد علاقتهم وتقاطع مصالحهم ووحدة الأهداف مع المملكة، دون أي نفي او استتنكار سعودي لهذه التصريحات.
المملكة تتخبط على أبواب مرحلة انتقالية ومخاض ولادة الدولة السعودية الجديدة على أنقاض المملكة القديمة؛ بالسلوكيات والاقتصاد والفتاوى والحياة الاجتماعية والتحالفات..ولا بد من مساعدة المملكة من مآزقها،خصوصاً في اليمن المظلوم والشهيد، وإنقاذها من التحالف والمساكنة مع العدو الصهيوني، لأن إنقاذ المملكة فيه الخير لأهلها من الأشقاء السعوديين، وفيه الخير للأمة المنهَكة، وتعطيل للفتنة المذهبية، وفيه الخير عبر إغلاق النوافذ أمام الصهاينة لاختراق ساحاتنا بالعملاء بالواسطة والمذهبية، وتعطيل مشروعهم بالفتن والحروب الأهلية التي امتدت على مدى سبع سنوات، واستنزفت الأمة وثرواتها، وأصابت دينها وأخلاقها..
د.نسيب حطيط