اخترقت ايران بالدبلوماسية النووية، تحصينات جبهة الحرب الأميركية في المؤسسات الدولية،لتجميد (الملف النووي)،ففي ذروة التحضيرات الأميركية والغربية،لإصدار قرار من مجلس الأمن لإصدار القرار بالعقوبات،بادرت إيران بنزع فتيل المبررات العدوانية ضدها،وذلك بالتعاون مع تركيا والبرازيل بشكل خاص،وبدعم خفي من الصين وروسيا،اللتين تولتا فرملة العقوبات،أو على الأقل تخفيف تداعياتها الميدانية،على الشعب الإيراني.
لقد استطاعت إيران بالذكاء والحنكة السياسية ،إدارة الملف،بعيدا عن التصعيد العسكري،باستيعاب التسونامي الأميركي – الإسرائيلي، الذي يتم تحضيره لتوجيه الضربة القاضية للنظام الإيراني،الذي جمع حوله عددا من الدول،لتشكيل منظومة أمان دولي،في اللحظات الحرجة،وشنت إيران هجوما دبلوماسيا مضادا متعدد الهوية (البرازيل وتركيا اللتان لا تصنفان في خانة أعداء اميركا )، ،وسجلت هدفا ذهبيا في المرمى الأميركي،ستظهر نتائجه في الأشهر القادمة، إرباكا أميركيا وضياعا غربيا وتأييدا صينيا مطلقا وروسيا بشروط ، مما سيؤجل توقيت اتخاذ قرار العقوبات والحصار ،لإعادة تنظيم الصفوف،وتكرار الهجوم المركز على النظام الإيراني،وهذا ما سيعطي إيران،مزيدا من الوقت اللازم،لإعادة تنظيم ساحتها الداخلية،وكذلك تطوير برنامجها النووي،لمستويات أعلى،لقد حققت إيران عدة أهداف عند توقيع الإتفاق :
- إرباك الإدارة الأميركية، وعرقلة المساعي لإقرار العقوبات ضد إيران .
- إظهار الوجه الحواري للنظام،وإبعاد التهمة عن ميله لتصعيد المواقف،وسحب الذرائع من امام المعارضة في الداخل و الخصوم في الخارج .
- تسهيل مهمة الوسطاء والحلفاء، للدفاع عن الموقف الإيراني،بالموافقة على التبادل خارج الأراضي الإيرانية.
- إظهار الهدف الحقيقي للبرنامج الإيراني،وهو العنوان(السلمي)،وخاصة الطبي حيث ينتظر أكثر من ثلاثة أرباع المليون إيراني لعلاجهم من مرض السرطان.
- إنتزاع الموافقة الدولية، على امتلاك إيران للبرنامج السلمي، بعد تسلمها اليورانيوم المخصب بنسبة 20%.
- القدرة على حشد رأي عام دولي، يدعم الموقف الإيراني ،ويتفهم مبرراته وأهدافه، ويلغي منطق الهواجس الوهمية، التي يطلقها الغرب.
- إحراج وكالة الطاقة الذرية،وإلزامها بأخذ موقف مجرد عن الإدارة الأميركية،بعدما سلمت إيران نسخة خطية من الإتفاق ،وفي حال رفضت الوكالة ،الإشراف على عملية التبادل،فإنها تسقط عن نفسها صفة الحياد والشفافية.
إن اختيار تركيا كمركز لتبادل اليورانيوم،يؤكد على تنمية الروابط التركية –الإيرانية،وينفي مقولة إلتزاحم والتنافس أو التصادم بين هاتين القوتين الإسلاميتين على النفوذ في الشرق الأوسط ،ويقوي المحور الإيراني – السوري – التركي،كعمق استراتيجي داعم للقضة الفلسطينية،ويضغط على الموقف الإسرائيلي.
إن الإتفاق المتعلق بالملف النووي الإيراني،قد سبقته بعض المقدمات الخفية والعلنية،بين إيران ومجموعة الخمسة زائد واحد،حيث أن تبادل الرهائن(المعتقلين)بين فرنسا وإيران،وبوساطة متعددة الأطراف،ومنها الوساطة السورية،قد ساهمت بتسهيل ولادة هذا الإتفاق،بالإضافة إلى موافقة التيار الصدري على عودة نوري المالكي،رئيسا للوزراء والعشاء الودي في مجلس الامن،الذي أقامه وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي،ولإخراج هذا الإتفاق إلىحيز التنفيذ،عمدت إيران إلى تكثيف المناورات، البرية والبحرية والجوية،خلال الأشهر الماضية،وكان آخرها في الأسبوع الماضي،لتؤكد أنها وقعت الإتفاق، من موقع القوي،وليس من موقع الضعيف، الذي رضخ للضغوطات الخارجية ،أو نتيجة الخوف من العقوبات القادمة.
إن الملف النووي الإيراني،يمثل جزء من فسيفساء الخريطة الساخنة عسكريا في المنطقة،والتي تعيش منذ أشهرحالة إنتظار الإنفجار الشامل،والذي يسعى الجميع للهروب من نتائجه الخطيرة.
فالمنطقة تعيش حالة سباق محموم بين التهدئة والإنفجار الشامل،في لحظة تحاول جميع الأطراف تأخير وقوع الحرب،بسبب قناعة الجميع بنتائجها المفصلية في حال وقوعها(كمبارزة نهائية)،
يمكن أن تعيد مشهد تقسيم المنطقة كما جرى بين فرنسا وبريطانيا،مما سمي معاهدة سايكس -بيكو،ونظرا للنتائج الحاسمة خاصة المستقبل الوجودي للكيان الإسرائيلي الغاصب،وكذلك لمستقبل محور ونهج المقاومة والممانعة،حيث أن الخاسر في هذه الحرب القادمة،سيغيب عن المشهد السياسي والميداني لأجيال عدة لن تقل عن عقدين أو ثلاثة من الزمن،وبالنسبة لنهج المقاومة او بالنسبة لإسرائيل فإن الحرب ستقرر بقائها أو زوالها، ولذا فإن جميع الأطراف تحاول تأخير وقوعها لحشد كل الإمكانيات ومستلزماتها،لضمان الإنتصار الواضح غير الملتبس،خاصة على الجانب الإسرائيلي – الأميركي،لان إسرائيل لا تستطيع بعد حرب تموز 2006 في لبنان وحرب غزة عام 2009 من دخول أي حرب جديدة لا تضمن الإنتصار الواضح والحاسم فيها وهذا مشكوك في إمكانية تحصيله.
لذا فإن إيران ومعها سوريا تحاولان توسيع رقعة الضغط الشامل على إسرائيل من منطلق تجميع الحلفاء او زيادة الدول المحايدة،وكانت تركيا في مقدمة الدول التي تعاونت إيران وسوريا لإجتذابها لجانب مواقفهما السياسية،ومحاولة إبعادها عن الحلف الإستراتيجي مع إسرائيل،حيث يسعى الثنائي الإيراني – السوري لتحقيق الحياد التركي على الأقل،وكل خطوة تركية باتجاه الدعم تكون بمثابة صفعة قوية لإسرائيل،وذلك لأن الهدف الإيراني – السوري تحقيق محور يمتد من سوريا إلى الصين يرتكز على ثلاثة أنواع من العلاقات ضمن غلاف سياسي يؤمن مصلحة الأطراف جميعا ووفقا للتالي:
- تحالف إستراتيجي إيراني – سوري.
- تحالف إيراني – تركي – سوري يضمن الوجود السياسي لهم ككتلة رائدة في المنطقة.
- تعاون بين الثلاثي(الإيراني-التركي-السوري)وبين روسيا والصين ضمن مجموعة (الخماسي الشرقي)الذي يجمعه مصلحة مشتركة لمواجهة الزحف الأميركي باتجاه دولهم،وحماية مصالحه الإقتصادية والسياسية والأمنية،خاصة بعد تفرد الإدارة الأميركية بقيادة العالم وفق منهج السيطرة والغزو المباشر طوال عقدين من الزمن منذ التسعينات بعد تفكك الإتحاد السوفياتي،حيث تسعى روسيا لإعادة الإعتبار لدورها الدولي والإقليمي،وكذلك الصين التي تسعى لحماية إقتصادها الزاحف عالميا، سواءبالطريقة العسكرية أوبتأمين أسواق إستهلاكية خاصة في منطقة الشرق الأوسط النامية وجوارها الأسيوي.
إن قبول الغرب بقيادة اميركا بالعرض الإيراني لحل مأزق الغرب وإيران معا ، يمثل إقرارا جماعيا عن عجز المتخاصمين عن المبادرة للقيام بأي عمل عسكري يعرف كيف يبدأ ، ولايمكن معرفة كيفية انتهائه ، حيث تبدأ مرحلة الحرب الباردة المحمومة مخابراتيا وأمنيا لمعاودة تجربة الإنقلابات والثورات الداخلية متعددة الألوان، الأقل كلفة على الأميركيين وحلفاؤهم بلعبة( الأتاري) السياسية ، بعدما فشل ت خيارات الغزو والإحتلال المباشر في افغانستان والعراق وكما ستفشل في فلسطين المحتلة وان طال عمر الإحتلال .
د. نسيب حطيط