هل ينقذ الملك عبد الله السعودية
د.نسيب حطيط
تعيش المملكة السعودية إرهاصت (المملكة الثانية) بعد رحيل الجيل الأول من الملوك السديريين والانتقال إلى مرحلة الجيل الثالث، الأكثر تناقضاً نتيجة لارتباطاتهم المتعددة ولضعف منظومة تعيين ولي العهد.. ويواجه الملك عبدالله استحقاقات مفصلية خطيرة على محاور ثلاثة:
1- ولاية العهد وتنظيم الخلافات والصراعات بين أجنحة العائلة المالكة، والصراع على العرش.
2- تورّط المملكة في ما يسمى “الربيع العربي”، الذي جعل المنطقة على أبواب إعادة تقسيم الدول والكيانات، بما يشبه مؤتمر يالطا متجاوزاً سايكس – بيكو.
3- الاستحقاقات الداخلية ومطالب المعارضة السعودية على اختلاف أطيافها وانتماءاتها المذهبية والسياسية والقبلية، والتي تتصاعد حركتها بعد الثورات العربية المستمرة!
السؤال المطروح: هل يستطيع الملك عبدالله حماية وإنقاذ المملكة السعودية من مغامرات بعض أمرائها؟ وهل يستطيع إدارة المرحلة الانتقالية للعرش؟ وهل يستطيع استعادة دور المملكة الحكيم غير المسلح؟
بالنسبة للمحور الأول، فإن صراع الأجنحة داخل العائلة المالكة يتوزع على ثلاثة محاور:
- جناح الملك عبدالله وأولاده بالتحالف مع أولاد الأمير نايف.
- جناح بندر بن سلطان – سعود الفيصل.
- الجناح “المدني” بقيادة الأمير طلال بن عبد العزيز.
وقد يستفيد الملك عبدالله من الأحداث السورية والاتفاق الروسي – الأميركي الذي أعلن فشل “الغزوة الثانية” الفاشلة للمحور الأميركي – الخليجي على سورية، في الوقت الذي أسقطت “الغزوة الأولى” الفاشلة الثنائي القطري (حمد بن خليفة وحمد بن جاسم) فإن “الغزوة الثانية” الفاشلة أيضاً بعد تراجع الأميركيين عن العدوان على سورية ستسقط الثنائي السعودي (بندر – سعود الفيصل)، وهذا ما سيفتح الطريق أمام الملك عبدالله للتخلص من هذا المحور وأتباعه، وإغلاق النافذة السعودية على قطر، والتي استطاعت استدراج السعودية إلى سلوكيات عسكرية ومغامرات لم تعتد عليها السعودية منذ تدخلها في حرب اليمن بمواجهة الرئيس عبد الناصر في الستينيات من القرن الماضي.
أما على مستوى المحورين الثاني والثالث المتداخليْن، فإن التورط السعودي في الأحداث العربية، خصوصاً الساحتين المصرية والسورية بشكل مكشوف ومؤثر على مستوى قيادة ائتلاف عربي متحالف مع المشروع الأميركي ودور سعودي غير مباشر (سياسي وأمني) في ليبيا والعراق وبقية الساحات العربية، أدخل السعودية في أتون الصراع وسلبها صفة الحكم الصالح أو المحايد، وسيعرضها لألسنة اللهيب المشتعلة عبر التكفيريين والسلفيين الذين تدعمهم، وإن منطق دعم المعارضة وشعارات الديمقراطية والتعددية السياسية واستعمال السلاح لإسقاط الأنظمة مصطلحات وسلوكيات ستعاني المملكة من إرهاصاتها وتداعياتها في الداخل السعودي، لأن الشعب السعودي سيطالب بإعطائه مثل ما تعطي السعودية للمعارضة السورية والمصرية، وأن ترضى السلطات السعودية بسلوكيات المعارضة السعودية إذا تعاملت بالأساليب نفسها مع النظام السعودي، سواء بالمظاهرات أو العمل العسكري أو طلب التدخل الخارجي أو استقدام إرهابيي “القاعدة”! فهل يمكن للسعودية أن ترضى بذلك، وماذا سيبقى من السعودية التي ستقاتل على ثلاث جبهات:
- الجبهة اليمنية – السعودية وصراعها مع “الحوثيين”، وكذلك أنصار الحراك الجنوبي والثورة اليمنية.
- الصراع المستقبلي مع العراق ثأراً للحرب اللاأخلاقية التي يتعرض لها المدنيون الأبرياء في العراق، عبر السيارات المفخخة والإنتحاريين الذين ينتسبون لـ”القاعدة” وأخواتها، والتي يتم رعايتهم وتمويلهم من المشايخ التكفيريين وبعضهم من السعودية، ويضاف إلى ذلك التورط العسكري السعودي في البحرين عبر قوات درع الجزيرة.
- الجبهة الثالثة تتمثل بالصراع العسكري بين النظام السعودي وخلايا “القاعدة” والتكفيريين الذين سيرتدون على أعقابهم من سورية وبقية الساحات التي انتشروا فيها ليعود الوحش التكفيري ليفترس صانعيه.
هل يغتنم الملك عبدالله فرصة الاتفاق الروسي – الأميركي والذي برهن مرة جديدة أن لا حلفاء ولا أصدقاء لأميركا بل مصالحها التي تحميها، وهذا ما صرح به الرئيس أوباما عندما أكد أن الضربة الأميركية ترتبط سلباً أو إيجاباً بتأمين (النفط وإسرائيل) ولم يقل حلفاء أميركا وأصدقاؤها ولا الديمقراطية وحماية الشعب السوري، ويؤكد أن أميركا لا تراعي مصالح وكرامات أصدقائها، ومنها السعودية، ما جعل الملك عبدالله يفتح كوة في جدار العلاقات الإيرانية – السعودية بدعوة الرئيس الإيراني للحج وقبول الأخير بها، لعل السعودية بالتعاون مع إيران توفران الحاضنة الإقليمية للحل السياسي في سورية وبقية الساحات التي يتصارع فيها الطرفان (البحرين ولبنان واليمن والعراق وسورية) والداخل السعودي (المناطق الشرقية) حيث يمكن التأسيس لتفاهم سعودي – إيراني لما يمثلان من رمزية سياسية للإسلام السياسي (السني والشيعي) ويتحالفان مع محورين بدأت مرحلة التفاهم بينهما (أميركا وروسيا) وحتى تستدرك السعودية نفسها ولا تكون خارج دائرة الحلول والمشاركة بصناعتها يمكنها البدء بالتراجع التكتيكي عسكرياً وسياسياً عبر عدم تزويد المعارضة بالسلاح والتمويل، والبدء بالتفاهم مع إيران من البوابة اللبنانية الأسهل والأسرع نتيجة الخصوصية اللبنانية عبر التفاهم لفك الاشتباك السياسي بين “حزب الله” و”المستقبل” بشكل خاص، ويمكن من البوابة اللبنانية العبور إلى بقية الساحات العربية.
إننا نراهن على عروبة وأصالة الملك عبدالله المتناقضة مع التطرف والمغامرة للثنائي (بندر – سعود الفيصل) ومن يحمل لقب خادم الحرمين الشريفين، لا بد أن يكون خادماً للرسالة الإسلامية، وأهم خدمة وأكثرها أجراً حقن دماء المسلمين والوحدة الإسلامية وحفظ الأعراض حتى لا يتم تعميم “جهاد النكاح” والتكبير على ذبح المسلمين كالنعاج ونبش القبور بما يخالف الإسلام الحنيف والسنة النبوية الشريفة.
لم يفت الآوان بعد، فهل تبادر القيادة السعودية للحوار والتعاون من أجل حفظ العالم الإسلامي بكل مكوناته؟ وهل ينقذ الملك عبد الله الدولة السعودية الثانية، أم يتركها لصراع الأجنحة حول العرش، وتصبح فريسة المجهول أو الزوال؟
هل ينقذ الملك عبد الله السعودية؟
http://www.mepanorama.com