إن سيطرة الإمبراطورية الأميركية على القرار الدولي بكل متفرعاته السياسية والأمنية والاقتصادية ،والذي امتد على مدى ما يقارب عقدين من الزمن، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في التسعينات، وعدم وجود قوة متكافئة لتحقيق توازن القوىالدولي،بل على العكس نشأت بعض التكتلات الإقليمية خاصة الاتحاد الأوروبي ،الذي شكل الذراع الأساسية لتنفيذ السياسة الأميركية.
تنامى الجبروت الأميركي حتى أصبح القانون والعدالة الدولية، ما تقوله الإدارة الأميركية الملهمة من السماء وفق عقيدتها ،من اجل إنقاذ العالم، مما تسميه الإرهاب،خاصة الإرهاب الإسلامي،حيث لم يبق في ساحة المواجهة، وبدون مبالغة إلا بعض بؤر المقاومة على امتداد هذا العالم،والقاسم المشترك بين هذه الساحات المقاومة والممانعة هو الإسلام(غير المهجن)من قبل الأنظمة والسلطة ،حيث بقيت ساحات إيران ولبنان وفلسطين وسوريا ساحات للمقاومة والممانعة الحقيقية ،ميدانيا وعسكريا، وشكلت الساحة الأفغانية والعراقية فيما بعد،ساحات ارباك للأميركيين وبشكل متواضعففن هذا المحور الممانع والمقاوم،تواصل مع الجهة الأخرى من العالم،فكانت فنزويلا بقيادة الرئيس شافيز،وكوبا بقيادة كاسترو وبعض دول أميركا اللاتينية،التي انتفضت بوجه المشروع الأميركي الاستعماري،بالإضافة إلى صمود كوريا الشمالية أمام الإغراءات وأمام الجوع والحصار لتصبح هذه الساحات نقاط ارتكاز لبناء شبكة الممانعة والمقاومة للمشروع الأميركي وحلفائه،ولتؤكد أن السيطرة الأميركية ليست قدرا محتوما،لا يمكن الوقوف بوجهه،بل على العكس فانه مع تواضع وضعف الإمكانيات، فان إرادة المقاومة الشعبية الجامعة،تستطيع إما أن تؤخر تقدم المشروع أو تمنعه من تقيق أهدافه، أو تهزمه في بعض ساحاتها كما حصل في لبنان وفلسطين وإيران.
وبعد صمود هذه القوى طوال عقدين من الزمن وحيدة في صحراء الاستكانة والخضوع الدوليين،وبعد حصارها من أنظمتها الحاكمة،وبعد إثارة الفتن الداخلية،لإرهاب هذه القوى وإضعافها واستنزاف طاقاتها،بالفتن القومية أو المذهبية والإقليمية،أو من خلال استحداث (إسلام حديث) يؤمن بقتل المسلم الأخر،ويكفر كل من لا يؤمن بفكره سواء كان مسلما أو مسيحيا،ليعطي المبرر للطاغوت الأميركي بإطلاق تهمة الإرهاب الدولي على الإسلام.بدل أن يكون الإسلام حضارة وفكرا وأخوة ومحبة،وهذا ما ظهر في فكر القاعدة وبعض الجماعات التكفيرية،التي جعلت من ساحات لعمليات انتحارية كانت تشوه الإسلام قبل أن تقتل ضحاياها،
ولم تصل إلى ساحة الصراع الرئيسية وهي ساحة الاحتلال الصهيونية في فلسطين ،وعلى مشارف إنتهاء العقدين الذهبيين للإدارة الأميركية ومشروعها،تراكمت أخطاء الغرور الأميركي،الذي استباح العالم عبر تحرشه بمنطقة البلقان وجمهوريات آسيا الوسطى المحيطة بروسيا التي تنوء بعبء وضعها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي،إلى أن كان الخطأ في التقدير في جورجيا،الذي لو نجح أميركيا وإسرائيليا لكانت أقفلت دائرة الحصار الجغرافي على إيران واقفل المعبر الوحيد الآمن لإيران الذي يصلها بروسيا، بحيث تتحول إيران إلى جزيرةفي بحر الانتشار الأميركي في العراق وأفغانستان ودول الخليج وتقفل الدائرة بعد إحتلال اوسيتيا الجنوبية التي توصل أرمينيا بروسيا،ويبدأ الأميركيون بعزل روسيا وخنقها،لتقسيمها إلى كيانات عرقية كمرحلة ثانية بعد تقسيم الاتحاد السوفياتي،بمعنى أن روسيا كانت على أعتاب التفكك المشابه لتفكك الاتحاد السوفياتي في التسعينات،بالقوة والنار وليس عبر التدمير الذاتي الذي قام به غورباتشوف حينها.
فكانت الانتفاضة الروسية العسكرية بمواجهة الخطة الأميركية والتي استطاعت توجيه ضربة قاسية لهذا المشروع في آسيا وعلى الحدود الروسية،وتردد صدى الصفعة على مستوى التحدي الروسي لحلف الناتو سواء على مستوى المعاهدات أو التنسيق أو على مستوى التهديد العسكري ضد نشر الدرع الصاروخية في بولندا.
،ولكن الأهم في ذلك أن روسيا استطاعت كسر حاجز الخوف والتردد،والمبادرة إلى الهجوم،الذي سيجبرها على التعاطي مع نقاط وساحة المقاومة والممانعة المنتشرة في الشرق الأوسط خصوصا على مستوى الأنظمة في سوريا وإيران وعلى مستوى حركات المقاومة في لبنان وفلسطين وغيرها من جهات العالم،لصياغة مشروع مقاوم للمشروع الأميركي حتى لو كان على أساس المصلحة في التعاون والتكامل بين القوى الضعيفة لحماية نفسها وكياناتها،وبالتالي فان روسيا التي تمتلك ترسانة الأسلحة التي تحتاجها هذه القوى لنشرها في ساحاتها، ستتوسع لزيادة مشاغلة ألاميركيين مما يزيد حالة الإرباك والتدهور في لحظة مفصلية بين عهدين أميركيين في نهاية هذا العم عبر ما ستفرزه الانتخابات الأميركية .
قد يظن البعض أن الأ فول الأميركي مبالغ فيه، وإننا كشعوب مستضعفة نحلم في ذلك،لكن الوقائع تؤكدإمكانية تحقيق الحلم المستحيل عند البعض ، فما حصل في لبنان ،من هزيمة للجيش الإسرائيلي ، ومايجري في فلسطين ،خاصة في غزة ، وماشهده الحصار الدولي على سوريا من تراجع ، وماتقدمه ايران كنموذج واقعي ،تغلب على الحصار والعقوبات وتوصل الى مستوى الدول الكبرى علميا وصناعيا،كل هذه الوقائع تؤكد القدرة على الإنتصار على المشروع الأميركي ، وفي أسوا الحالات عدم الهزيمة المجانية وتقديم الإنتصارات السهلة للأعداء . وأخيرا ان لم نستطع الإنتصار أو المقاومة ، فإننا نستطيع عدم بيع الأجيال القادمة كعبيد،من خلال الممانعة وعدم التوقيع على صكوك الإستسلام.