تميز لبنان سياسيا" عن محيطه العربي بوجود مؤثرات سياسية تلبس العباءة الدينية التي تختلف بالشكل وتتشابه من حيث الدور السياسي والإجتماعي,وتتفاوت فعاليتها السياسية،لكن القاسم المشترك فيما بينها هو(الدوروالوظيفة)حيث تقوم بالوظائف التالية:القيام بدور المتراس الذي يتحصن خلفه السياسيون عند إخفاقهم بمشاريعهم السياسية فيعودوا إلى مواقعهم الطائفية للإنطلاق مجددا"،بعد تجميع قواهم الطائفية.توفير مكان لإجتماع الفرقاء المتخاصمين داخل الطائفة وبالتالي فهي(الحاضن المكاني)دون أي تأثير فعلي في تعديل المواقف.الإستعانة بها لإطلاق المواقف السياسية التي تعبر عن رأي الجهة السياسية التي ترعاها دون أن تتحمل القوة السياسية وزر الخطاب السياسي وتداعياته السلبية.إضفاء نوع من الوحدة الوطنية(المثالية)والرسالية بعد تعذر أو فقدان الوحدة الوطنية الحقيقية على المستوى السياسي حيث تعقد القمم الروحية كغلاف وردي يخفي ل التناقضات والسلبيات الطوائفية.واللافت أن المرجعيات الروحية ذوات المناصب الرسمية غالبا" ما تعين من قبل القوة السياسية أو المرجعية السياسية النافذة داخل الطائفة,ولهذا فهي مدينة لها بالولاء السياسي،والدعم الدائم لموقفها. ولكن هذه المرجعيات لا ينتبه إليها السياسيون إلا في الأعياد أو في المآزق السياسية والقاسم المشترك بين المرجعيات الروحية الرسمية أنها لا تستقطب الجمهور العقائدي داخل طوائفها،الذي تستقطبه مراجع وأحزاب سياسية.لكن هذه المرجعيات تريد العمل السياسي وكأنه يحمل صفة الفتوى(أو التشريع الديني)الغير قابل للرد أو النقاش بينما العمل السياسي في جوهره يتأثربالواقع والظروف,والإمكانيات والحوار،ويصل إلى التسويات،والصفقات،والتنازلات المتبادلة.وفي لبنان لم يحصل أن وصل فريق سياسي بمنطق(الغالب والمغلوب)واستطاع الإستمرارية في منهجه,بل عاد وخرج مهزوما" من الحكم أو الشارع،أو اضطر إلى التسويات والتنازل,ولهذا فإن أي مرجعية روحية تريد أن تتعاطى العمل السياسي,عليها تقبل فكرة التراجع أو الإنهزام أو النقد,دون أن يكون ذلك إسقاطا" من حجمها أو معنوياتها،وتختلف عن المرجعيات الروحية التي تقود أحزابا" سياسية فالأخيرة تطل على الجمهور من نافذة موقعها الحزبي(ولقبها التنظيمي)،فيما المرجعيات الروحية تطل من نافذة موقعها الروحي لتتعاطى السياسة،وهنا الإختلاف،فهي تريد الإحتفاظ بالتشريع الديني والسياسي المطلق،وهذا ما لا تسطيعه.ولذا فإن عليها البقاء في إطار الخطوط العامة،والوعظ العام، دون التدخل في التفاصيل السياسية اليومية،لأن الدخول في التفاصيل سيستدرجها إلى حفر سياسية,وهذا ما ظهر في(إستدراج)بعض المرجعيات إلى اللعبة السياسية...،فكانت أن أنقذت السياسيين والقوى الخارجية من مأزقها،ودفعت وحيدة الثمن الباهظ من معنوياتها وشرعيتها ورعايتها لمن تمثل طوائفيا"،وبدل أن تكون الرائدة في الحل أصبحت خارجه,ولذا كان الإنفعال الواضح في مواقفها،والرد عليه.وبالتالي فبدل أن تمارس دور الإطفائي،مارست دون قصد،وفي ثورة غضب دور عود الثقاب،وليس جائزا" أن تحمل المرجعيات الروحية الطائفية وزر إعادة الصراع إلى منطقه الطائفي،بدل أن تكون الرافضة له سواء عن قصد أو غير قصد.ولهذا فإن من أدخل نفسه ساحة(العمل السياسي)وشبهاته,عليه أن يتحمل سلبياته ومناكفاته وإلا فليبق في محرابه في دائرة القيم والأخلاق والمثالية,يدعو للمعروف ويمارسه,بدل استدراجه إلى المنكر السياسي.