إن الضربات المتسارعة على رأس الإدارة الأميركية السياسية والعسكرية والمالية في العراق وأفغانستان ولبنان وجورجيا وآخرها الانهيار المالي للاقتصاد الأميركي الذي يمثل الوجه الآخر بأحداث 11 أيلول 2001 التي دمرت مبنيين التجارة العالمية بالمعطى المادي وبمؤامرة أميركية– صهيونية لتسهيل الاجتياح الأميركي للعالم والسيطرة على آبار النفط.
فإن أحداث أيلول 2008 المالية نتيجة مؤامرة وتواطأ من الإدارة الأميركية لزعزعة الاستقرار المالي العالمي وتخريب الاقتصاد الدولي وسرقة أموال أنظمة النفط العربية المتكدسة في المصارف الأميركية منذ عقود بحيث تكون النتيجة مصادرة النفط من آباره في الحاضر ومصادرة عائدات النفط في الزمن الذي كانت أميركا قاصرة عن غزو النفط في مواطنه العربية فاستعاضت عنه أميركا بغزو أرصدته ووضع اليد عليها دون القدرة لهذه الأنظمة عن الدفاع عن ثرواتها الوطنية.
وبعد فشل الإدارة الأميركية في تثبيت سيطرتها على البلاد التي قامت بغزوها وها هي تفاوض طالبان في أفغانستان وبواسطة سعودية للتخفيف من آثار الهزيمة لأميركا وحلفاءها ولتأمين مصالحها في هذه المنطقة الحساسة سياسيا واقتصاديا وأمنيا وكذلك في العراق الذي تحاول أميركا تثبيت وجودها المستقبلي ومصالحها عبر الاتفاقية الأمنية مع العراق وفي لبنان حزم حلفاء أميركا في الداخل وحليفتها إسرائيل في الخارج مما استدعى تغير هادئا وحذرا في الإدارة الأميركية لمشروعها في لبنان خاصة بعد فشلها في ضرب نظامي الممانعة والمقاومة المتمثلين بإيران وسوريا والفشل في هزيمة وتدمير جناحي المقاومة الميدانية حزب الله في لبنان وحماس في فلسطين مما أرغم الأميركيين بالتراجع عن مشروعهم بعزل سوريا وإسقاط النظام لمحاورته عن بعد من خلال حلفاء أميركا – فرنسا - قطر وتركيا الذين أسسوا عبر قمة الاستقرار في المنطقة التي عقدت في دمشق أوائل أيلول الماضي والتي شرعت الأبواب أمام الحوار الأميركي-السوري المباشر والذي توج بلقاء وزيري الخارجية الأميركي والسوري في الأمم المتحدة.
حيث تم إعلان التراجع الأميركي عن مبدأ عدم الحوار مع سوريا وتطور إلى النقاش حول إمكانية التعاون مع دمشق كقوة رئيسية ومؤثرة في المنطقة لتأمين ولادة أو رعاية الحلول في العراق ولبنان وفلسطين والتي تمسك دمشق بالتعاون مع إيران بالمفاتيح الأساسية لهذه الأزمات ولتأمين المبرر المعنوي وحفظ ماء الوجه لهذه الإدارة الفاشلة .
فقط تم الاتفاق على أن يكون الدافع للتعاون من خلال الشعار الجوهري والرسمي للإدارة الأميركية بمحاربة الإرهاب والذي لا تمانع سوريا في المساهمة بحصاره وهزيمته وهي التي بدأت تدفع أثمانا لتحرك هذا الإرهاب المتمثل أو المختبئ وراء تنظيم القاعدة أو الجماعات التكفيرية والتي يمكن أن لا تكون الفاعلة الحقيقي لهذه الأعمال وإنما تشكل غطاء يسهل اتهامه أمام الرأي العام لأعمال المخابرات الإسرائيلية وحتى الأميركية وغيرها التي تسعى للنيل من النظام في سوريا حركات المقاومة وفي الحد الأدنى تطويعها وتدجينها في حال عدم التمكن من إسقاطها.
ولذا فإن الأشهر القادمة ستحمل انفراجات واسعة على صعيد العلاقات الأميركية-السورية وإعطاء سوريا بعض الصلاحيات التي كانت ممنوعة عليها سواء بالتنسيق الأمني مع لبنان أو بفك العزلة عنها حيث أصبح لارسن داعية للتعاون مع سوريا وفك الحصار عنها بعدما كان رأس الحربة في الدعوة لحصارها ممتطيا صهوة قرار1559.
إن مرحلة جديدة سياسيا وعسكريا ستبنى على أنقاد الإدارة الأميركية الراحلة والتي حققت الحد الأقصى من الفشل المتعدد الوجوه والأشكال داخليا وخارجيا وبدأت بالتخلي عن شعاراتها وحلفاءها وتواضعت في أهدافها وفرض شروطها لكن المؤسف والمحزن أن بعض حلفاءها خاصة في لبنان والمنطقة لازالوا يعيشون وهم الانتصار ووهم الاتكال على أميركا ووهم الانتصار وتحكم بعضهم المكابرة بالتراجع عن أخطاءهم فيوغلون في خطأهم حتى لو اضطروا لاستعمال الوسائل المشروعة وغير المشروعة،وغير الأخلاقية،وغير الدينية بإشعال الفتن المذهبية أو تفجيرات الأمنية أو عرقلة وتأخير بعض المصالحات في لبنان لعل الظروف الأميركية تؤمن لهم النصرة وهذا أضغاث أحلام فالوقائع تظهر عدم إمكانية استعادة زمام المبادرة أميركية على وقع قعقعة السلاح الروسي في جورجيا وأصوات البوارج الروسية في المتوسط استنادا إلى صمود قوة الممانعة والمقاومة وتوسعها لتصل إلى أميركا اللاتينية والتي دفعت كوريا الشمالية إلى التحلل من ضغوط الأميركية لتدمير البرنامج النووي الكوري فكسرت الأقفال وطردت المراقبين الدوليين واستأنفت نشاطها.
فهل يعي بعض المغامرين أللبنانين والإقليميين هذه الوقائع ويتراجعوا عن مشروعهم ويعودوا إلى أحضان أوطانهم أم يستمروا في مكابرتهم وأخطائهم ويرحلوا مع الإدارة الأميركية أو يلحقوا الخسائر بأهلهم وأوطانهم؟..