إن الحوار الوطني الذي انطلق بداية بدعوة من الرئيس نبيه بري، والذي أنجز بعض مهماته التي تمحورت حول هدفين رئيسيين، هما إعادة التواصل بين الفرقاء السياسيين في8و14آذار لاحتواء التوترات الأمنية والسياسية، والهدف الثاني التوافق حول بعض العناوين الخلافية التي يؤدي استمرارها لتفاقم التوترات الأمنية والسياسية ،وقد نجح الحوار عندها في تحقيق بعض أهدافه وأخفق في أمور أخرى، وبعد اتفاق الدوحة والتوافق على استكمال الحوار برئاسة رئيس الجمهورية التوافقي،لاستكمال تنفيذ ما اتفق عليه، ومحاولة تنظيم الخلافات بما يضمن استمرار الهدوء السياسي.
لكن الملفت أن جلسات الحوار ما بعد الدوحة،لم تثمر حتى اللحظة سوى بإبقاء قنوات الاتصال قائمة بين الخصوم السياسيين،واصطدمت بقضية أساسية اسمها (الإستراتيجية الدفاعية)والتي يمثل مضمونها الهدف الأساسي لكل الحروب الخارجية والداخلية في لبنان،وهو نزع سلاح المقاومة،كتعبير ملطف لشعارحماية الأمن الإسرائيلي،وعدم إقلاقه على الحدود الجنوبية،بل الأكثر من ذلك،هو عدم التصدي لاعتداءاته المتنوعة الأساليب.
حيث أن وجهتي النظر المتناقضتين تمحورت حول شعارين، لا يمكن أن يجتمعا أوينسجما فألأول يؤكد على العداء المطلق لإسرائيل، ووجوب عدم الاطمئنان لعهودها الكاذبة،أو الاتكال على القرارات الدولية المشلولة والضعيفة، إذا كانت لصالح الحقوق العربية، أما إذا كانت هذه القرارات لصالح إسرائيل وأميركا وحلفائهم، فأنها تكون الأسرع إلى التنفيذ الميداني،ووجهة نظر مقابلة تختبئ وراء قوة(الضعف)والاعتماد عليها، والاتكاء على القرارات الدولية،وبما أن الوقائع الميدانية تدعم وجهة نظر المقاومين،والوقائع الدولية تدعم وجهة نظر الآخرين،فلن يكون هناك توافق ممكن علىالإستراتيجية الدفاعية ، لذافإن جلسات الحوار الوطني أمام خيارين:
إما الإصرار على إقرار الإستراتيجية الدفاعية وبالتالي تفجير الحوار ونسفه ،ومحاولة إحراج رئيس الجمهورية.
وإما القفز عن الإستراتيجية الدفاعية ،لارتباطها بالوضع الإقليمي واستحقاقاته السلمية أو الحربية،والتوطين، حيث أن لبنان ليس جزيرة سياسية وأمنية مستقلة عن محيطه الإقليمي والدولي،وحصر الحوار بالمواضيع الممكنة من استكمال تنفيذ التفاهمات السابقة المتعلقة بالعلاقات السورية -اللبنانية، والفلسطينية- اللبنانية أو العلاقات اللبنانية- اللبنانية.
والحل الأمثل للحوار الوطني أن يجمد البحث في الإستراتيجية الدفاعية للأسباب التالية:
ارتباط لبنان بمحيطه الإقليمي والدولي أمنيا وسياسيا.
عدم صحة التمثيل لفرقاء الحوار الوطني، لأن من يريد إقرارات استراتيجة دفاعية،عليه امتلاك حيثيات القوة والفعالية الميدانية أو الجماهيرية، وهذا لا ينطبق على كل الجهات المشاركة، حيث أن بعض الأشخاص لا يملكون إمكانية إعادة انتخابهم نوابا"...؟! فكيف سيقررون كيف ندافع ولا يملكون بندقية واحدة ليشاركوا فيها بالدفاع عن الوطن ،بينما بعض القوى من أحزاب سياسية، تمتلك من القدرات العسكرية والتمثيلية على الصعيد ألطوائفي أو الوطني مستبعدة من المشاركة ،وهذا ما يجعل قرارات الحوار غير ملزمة وغير واقعية.
إن اإنتخابات النيابية على الأبواب ، وبالتالي فإن بعض الشخصيات ،قد تفقد صفتها التمثيلية لصالح شخصيلت أو قوى أخرى ، فكيف يمكن إقرار تفاهمات أقرها أشخاص مغادرون ، ويلزمون بها قوى جديدة.
قبل البحث بتجريد المقاومة من سلاحها،لا بد من إيجاد البديل سواء بتدعيم الجيش اللبناني بشكل واقعي وتنفيذي وليس إعلاميا" أو نظريا"،بالإضافة إلى الضمانات الدولية الحقيقية وليس كالقرار425أو غيره من القرارات وآخرها القرار1701الذي تنهكه إسرائيل كل يوم ولا يحاسبها أحد في لبنان أو الأمم المتحدة .
وبما أن الأمن في لبنان هو أمن سياسي، والديمقراطية توافقية بعيدا" عن الأكثرية و الأقلية،وبما أن النظام السياسي هو نظام طوائفي-مذهبي بكل تفاصيله،وبما أن الاقتصاد والتعليم والإنماء يرتكز على التسويات والضغوط وفرض الوقائع.
وبما أن المؤسسات الرسمية من حكومة سواء اتحاد وطني أو حكومة اللون الواحد،لا تستطيع أخذ القرارات بدون مظلة سياسية،وكذلك مجلس النواب بقوانينه،حيث يمثل الوزراء والنواب شخصيات ناطقة وليست مقررة،ومنفذة وليست مخططة وتمثل وجهة نظر الأحزاب والقوى السياسية الفاعلة على الساحة السياسية.
فإن هذه الوقائع ،توجب تحويل هيئة الحوار الوطني إلى هيئة سياسية ،توازي (مجلس الحكم)الانتقالي لبناء جمهورية ثالثة أو رابعة،هذا إذا كنا فعلا" قد انتقلنا من الجمهورية الأولى واقعيا" المرتكزة على الطائفية والمحاصصة وتداعياتهما السلبية.
وبالتالي تصبح هيئة الحوار(هيئة رئاسية)لتشخيص المشكلات وتوصيفها،وتقرير الحلول،وضمانة التنفيذ الميداني والقانون في الحكومة والمجلس النيابي،والقوى الأمنية.