إن واقع المرأة في المجتمع العربي قد تعرض لثلاثة مراحل زمنية وثقافية,في الجاهلية-والإسلام-والعصر الحديث,وقد تعرض المجتمع بسلوكياته وأخلاقياته ومنظومة التقاليد والعلاقات البينية بين الأفراد,لعدة تغيرات,وحيث إن المرأة تشكل نصف المجتمع العام وفق المصطلح الشائع،لكنها لم تحصد التغيرات المثمرة على كافة الصعد،وبقي مصطلح نصف المجتمع ينحصر في عملية الإنجاب الذي تضطلع به المرأة بيولوجياٌ كأم,لكنه حتى في الخصائص العامة للمولود لم تحز المرأة إلا حصة الأمومة دون تغيير جدي في واقعها الإجتماعي كعنصر مشارك في صياغة منظومة الحياة بخطوطها السياسية والفكرية والإقتصادية العامة.وقد صارع الإسلام كمنظومة فكرية,العادات والمفاهيم الجاهلية لتخليص المرأة من واقعها المرير ونجح في بعض الميادين,وتم إفشاله من قبل المسلمين في ميادين أخرى لأن الرجل المسلم في كثير من الأحيان,لم يستطع الذوبان الكلي في الفكر الإسلامي, والتفلت من مفاهيم القبيلة والعشيرة وقيود الجاهلية،فألتزم بالمفاهيم العامة وتراجع عن الأفعال القاتلة،(وأد البنات)وحاول التملص أو المماطلة في التفاصيل الأخرى .وقد جاءت النصوص القرآنية واضحة دون إلتباس(وكذلك خلقناكم من ذكر وأنثى...)فساوى في عملية الخلق, وساوى في الصفات الإيجابية والسلبية,دون تبعية(المؤمنون والمؤمنات),وفي سلوكيات السنة النبوية الشريفة خاصة في ميادين السياسة والجهاد,كمضمارين واضحين في العمل الإجتماعي والثقافي،فقد أعطى رسول الله (صلعم)الشخصية الذاتية للمرأة،حيث بايعت النساء المسلمات الرسول كبيعة الرجال له دون أن يلحق المرأة بتبعية سياسية للرجل. وكذلك في الجهاد, ففي المواقع التي فرضت فيها الوقائع مشاركة المرأة،أذن الرسول(ص)بالمشاركة بما يتناسب مع خصائصها البيولوجية والعاطفية دون تحميلها ما لا طاقة لها به,أما في العبادات فقد تشاركت المرأة في الواجبات والحقوق مع الرجل ضمن ضوابط شرعية دقيقة حتى في التفاصيل.لكن الرجل العربي عاد ليمسك مقاليد الأمور مرة بالإرتكاز على الفهم المنقوص للفكر الديني ومرة أخرى على المفاهيم الإجتماعية الجاهلية،وحاول إعادة المرأة إلى موقع(مصنع للولادة)أو قائمة بأعمال الخدمة المنزلية,معطوفة على خدمات اللذة والشهوة.مع أن الإسلام حاول إنقاذها, لتكون الطرف الشريك المقابل في كل النواحي الحياتية،ولكن غياب الإسلام عن المنظومة السياسية وانحساره في موقع الصفة العقائدية لنظام الحكم, وإستعماله كحصن يلجأ الحاكم إليه لإضفاء الشرعية على حكمه, مطلقا على نفسه الألقاب الدينية الواضحة،وترافق ذلك مع إعادة
سلب المرأة حقوقها الدينية والسياسية وصولاٌ إلى حقوقها الإنسانية,من قيادة السياره أو الوظيفة أو التعلم.والمشكلة الأخطر أن البلاد التي ابتعدت عن الإسلام كمنظومة أخلاقية وسياسية وتقربت إلى الغرب,مثال المغرب أرتفعت نسبة الأمية بين نسائها إلى 80%.وعند إنفتاح الشعوب العربية في العصر الحديث على الأفكار الشيوعية واليسارية واليمينية على مختلف مستوياتها،تحت عنوان التحرر الفكري من(محابس التحجر الديني)وهروباٌ من نظام العشيرة أو النظام,فإن الملفت أن هذه الأحزاب قد مارست نفس أساليب الحصار على المرأة بتفاوت بسيط, وفي قراءه سريعه(لحركات التحرر العربية)أو الأحزاب العربية.يطرح السؤال.... أين يمكن إيجاد المرأة كإنسانة,أو مشاركة في منصب قيادي أو ريادي ...؟فعلى مستوى الأنظمة لم تفز المرأة بشرف عضوية مجالس النواب والشورى،أو مجالس الوزراء الا بشكل رمزي،و في مؤسسات الأحزاب لم تفز المرأة بعضوية اللجان المركزية والمكاتب السياسية,وهنا لا فرق بين الأحزاب الدينية أو العلمانية،وهذ اما يؤكد أن ولاة الأمر السياسيين,سواء كانوا حكاماٌ أو أنظمة أو أحزاباٌ يجمعهم قاسم مشترك واحد،هو إعدام المرأة سياسياٌ.ومن خلال قراءة تحليلية,لنسبة مشاركة النساء العربيات في البرلمانات العربية 5.7%وهي أقل نسبة لتمثيل المرأة في البرلمانات العالمية حيث تصل النسبة لحوالي 39.7%في أوروبا الشمالية وفي أميركا16.5% -أوروبا الغربية 15.5%-وفي أفريقيا 13.6% -أما في لبنان فتبلغ النسبة 3.9% -وفي سوريا 10.4%-وفي بعض البلدان العربية لا يحق للمرأة حق التصويت حتى الآن .أما على مستوى روساء الدولة أو الحكومات فلا نجد أي دولة عربية تسند هذا المنصب إلى إمرأة .أما على مستوى الوزراء فإن النسبة هي5.6% وأعلى نسبة في سوريا 7.5% أما في لبنان حتى تاريخ الحكومات منذ الإستقلال لم تسند أي حقيبة وزارية للنساء إلا في الحكومات الأخيرة بمعدل 5%.ولا تقتصر عملية سلب المرأة لحقوقها على المجتمعات الموصوفة بالمتخلفة أو بالقبائل, لكنها تتمدد وتصل إلى الشرائح المتعلمة والواعية,وفي البلدان التي تعتبر متحررة على مستوى السلوك الإجتماعي والثقافي،ففي لبنان مثلاٌ فإن نسبة النساء في رابطة التعليم الثانوي تبلغ11%بينما تبلغ نسبة النساء المعلمات45%,وفي رابطة الأساتذة المتفرغين للجامعة اللبنانية النسبة صفر%مع وجود لا يقل عن15%من الأساتذة النساء,وفي الإتحاد العمالي غياب التمثيل النسائي عن المكتب التنفيذي للإتحاد,وكذلك في إتحاد المصارف،و الصناعين وغرفة التجارة والصناعة.وقد تم حصر دور المرأة,في الإنجاب والخدمة واللذة،وعنصراٌ دعائياٌ وتسويقياٌ للبضاعة أو السياره أو شيء آخر لا بد من بيعه ولا بد من عنصر جذب وإشارة إليه وجسد المرأة جسر العبور لعقد الإتفاق التجاري للبيع والشراء.والمؤسف حقاٌ أن لا تبادر الشعوب أو الأحزاب إلى إنصاف المرأة,إلا بأمر عمليات سياسية من الإدارة الأميركية لإعطاء المرأة حقها التمثيلي ,عبر كوتا نسائية في البرلمانات العربية،وذلك لكسب ود النصف أو أكثر من المجتمع العربي بعدما تخلى النصف الأول عن(رجوليته السياسية )ومارس التبعية الكاملة لما يملى عليه،وعاد ليمارس نفس الدور على شعوبه ونسائه.والمشكلة بأنه ينظر إلى الشعب كله,رجالاٌ ونساءٌ وأطفالاٌ بأنهم نساء،ليتم التعامل معهم بمنعهم من قيادة الأجيال قياسا على منع قيادة السيارة. ولذا فإن حصار المرأة ليس حكراٌ على نظام أو حزب,أو شرائح نخبوية أو قبلية،بل يشكل القاسم المشترك عند الجميع لأنه يؤكد أن المنطق الذكوري في فهم القيادة والعلاقات وتحمل المسؤولية والقرار هو نفسه عند المتعلم والأمي،الفلاح والمثقف,المسؤول والمواطن.والمؤسف أن المرأة من خلال بعض النماذج والأفراد تقدم فهماٌ خاطئاٌ عن المرأة-الإنسان لتقدمها نموذجاٌ جمالياٌ يؤدي دوره التجاري أو الشهواني،وعليه فإن التصدي لنماذج التضليل النسائية- يجب أن يبدأ من الحركات النسائية لتغيير النظرة الخاطئة والمهينة للمرأة حتى يعود للمرأة دورها الريادي على جميع الصعد،وحتى يمكن إستثمار كافة كفاءات الأمة, للتمكن من التصدي لما يحاك ضدها من مؤامرات وحصار، وهذه مسؤولية الجماعة رجالاٌ ونساء، مسؤولية الرجال أن يفسحوا المجال لتقدم المرأة-الإنسان,وعلى النساء أن يبادرن لإقتحام الحواجز,وينزعن عنهن صفة المرأة الجميلة والوسيلة,وصولا لمستوى المرأة– الإنسان المشاركة والمؤثرة.